الترميم الفارغ طمس معالم المحراب الجزائر تحتفي بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي هي الفعل الثقافي المحوري لسنة ,2011 وبهذه المناسبة ارتأينا أن نتناول معلما تاريخيا كبيرا، ورمزا اسلاميا عظيما، وهو الجامع الكبير وذلك من خلال دراسة دقيقة وتاريخية أعدها المرحوم فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي وقد تم نشرها في عدد خاص من مجلة الأصالة التي كانت تصدرها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، وقد جاء هذا العدد الخاص بمناسبة مرور ألف سنة على انشاء مدينة الجزائر العاصمة سنة 1972 والعيد العاشر للاستقلال الوطني. ...وقد حصل هذا التشابه بين هذه المساجد المذكورة بسبب التمازج الذي وقع بين سكان المغرب والأندلس حينما اتحدت هذه الأقطار سياسيا وأدبيا واجتماعيا على عهد تينك الدولتين العظيمتين، دولة المرابطين ودولة الموحدين في القرن الخامس والسادس على هذا الوطن. ثم إن ما نرى عليه واجهة المحراب اليوم ماعدا الاسطوانتين القائمتين الى جانبي المحراب من الرخام الملولب فإن كل ما نراه من الزليج الزائف وهذه الطوابع المزخرفة من الجبس الفارغ كل ذلك حدث أخيرا واقتحم هذه العمارة إقحاما من غير ما دعت الحاجة إليه بالمرة، فانطمست علينا بذلك أهم معالم المحراب التاريخية وزال عنه جلاله وبهاؤه وخسر بذلك المسجد في نفسه جزءا عظيما من تاريخه، كما خسر بذلك فن المعمار الاسلامي خسارة علمية فنية ضخمة!.. وإن كان الذين فعلوا ذلك يرونه في نظرهم حسنا، فنحن لا نرى ذلك حسنا، وما هو في الحقيقة والواقع بحسن، ولا هو في نظر ورأي علماء التاريخ والآثار بالشيء المستحسن وحتى فيما ذهب إليه علماء الشريعة من فقهاء المالكية فإنه عندهم عمل غير مرضى، ولا ينبغي أن ننسى وأن الجامع بني على عهد دولة كانت تحترم مذهبها المالكي وعليه تجري جميع أعمالها، ولا سيما وأن هذه الناحية من المسجد لم تكن في حاجة الى إصلاح أو ترميم أو تحوير أو تغيير أو تبديل. ولعمرك أنه منذ وقع بهذا المحراب هذا التحوير وهو إلى حد الآن لا يزال رافعا عقيرته يصرخ قائلا بلسان حاله: يا قوم ما هذا الظلم!.. إنكم ظلمتموني حيث ألبستموني لباسا يتنافى وجلال وضعيتي الأثرية التاريخية، فكيف يكون شأني أمام رواد العلم وطلاب المعرفة وعلماء التاريخ؟.. فكيف يتهيأ لي الوقوف منسجما الى جنب هذا المسجد العتيق الموقر حينما يقف أمامي مستنطقو الآثار والأحجار الباحثون عن تراث الحضارة الإسلامية عبر التاريخ؟ وكيف يتسنى لي الاشهاد لأزكى دعوى هذا المسجد في بلوغه سن مشارفة الألف سنة وأنا في هذا المظهر المزري بقيمتي ومنزلتي التاريخية مظهر الزازو! وكيف حتى استطيع أن أتصدر هذا المسجد الجامع الدهري؟ أليس في ذلك لي ولكم فضيحة وسخافة؟! أليس في هذا الصنيع تلبيس للحقائق وتدليس وتشويه؟.. والحالة أنني لم أكن من قبل عاريا حتى تكسوني، ولا جائعا فتطعموني!.. فإن قيل أن لهذا المحراب تاريخا متأخرا، ومتأخرا جدا عن تاريخ تشييد المسجد، وإنه هو وما حوله أو فوقه من القبة المثمنة الأضلاع يرجع تاريخه الى العهد الذي عبرتم عنه بالمتأخر له من الزمن قرابة ثلاثة قرون وهذا يكفي في اصطلاح علماء الآثار لأن تشمله قوانين الآثار وتنطبق عليه شرائعها، إذ من المتفق عليه في القانون الدولي للآثار أن كل ما صنعته أو صورته أو شيدته أو أوجدته يد الانسان قبل مائتي سنة يعد أثرا تاريخيا يجب احترامه والحفاظ عليه، بل هناك من الدول من اعتبر أن كل ما سبق القرن الثامن عشر هو مما يطلق عليه اسم الأثر التاريخي وتجري عليه أحكام الآثار وقوانينها المتفق عليها دوليا، وبما أن ترميم هذا المحراب وقع في أواخر القرن السابع عشر، ونحن اليوم في أواخر القرن العشرين فهو قطعا أثر تاريخي ولا ريب.