تشكل الزيارة المقررة للرئيس المالي السيد أمادو توماني توري قريبا إلى الجزائر بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، فرصة لتأكيد التقدم المسجل في مجال التعاون الثنائي بين البلدين، ومناسبة لتأكيد توجيهات قيادتيهما نحو تعاون أكثر توسعا وأكثر طوعية وأكثر متابعة، لا سيما بعد تشكيل لجنة متابعة ومرافقة تنفيذ قرارات لجنة التعاون المختلطة. وتندرج زيارة الرئيس المالي للجزائر في سياق تدعيم التعاون المشترك بين البلدين والذي تعزز هذا الأسبوع بالتوقيع على عدة اتفاقيات، تدعم القاعدة القانونية للتعاون الثنائي في مجالات متعددة على غرار مجال البحث، إنقاذ الطائرات، التعاون العابر للحدود، الطاقة، الصحة، تكنولوجيات الإعلام والإتصال وكذا التعاون بين غرفتي التجارة للبلدين، وتقديم عدة مقترحات تعاون تخص التكوين، الدعم التقني، تبادل الخبراء، والخبرة. وقد فتحت الجزائر ومالي بفضل هذه الاتفاقيات آفاقا جديدة لتعاونهما، وعززتا في الوقت ذاته مجالات التبادل التقليدية بالعمل على تحقيق ديمومتها، وهي كلها مؤشرات تبين أن التعاون الجزائري- المالي سيعرف حركية جديدة بفضل الأدوات القانونية التي وقع عليها كلا الطرفين. كما تعتبر هذه الاتفاقيات لبنة إضافية تعزز التعاون بين البلدين اللذين يجمعهما تطابق تام في تحليل الوضع السائد بمنطقة الساحل، من خلال اتفاقهما على مضاعفة الجهود وتجنيد كل وسائلهما بالتشاور مع دولتي موريتانيا والنيجر من أجل جعل المنطقة فضاء للسلام والتقدم، ومحاربة كل أشكال الجريمة والإرهاب وكذا تجارة الأسلحة والتهريب والمخدرات وغيرها من المسائل التي تشكل تحديا للسلطات الجزائرية ونظيراتها بمنطقة الساحل والتي تتطلب جهودا جماعية تستكمل وتعزز الأعمال الوطنية، مع الإشارة إلى أن كلا من الجزائر ومالي تحذوهما إرادة كبيرة في جعل محور باماكو- الجزائر أكثر متانة وصلابة لمواجهة كل التحديات على الصعيدين الثنائي. وفضلا عن وجود تعاون ملموس بين الجزائر ومالي في مجال التكوين، حيث تمنح الدولة الجزائرية بانتظام منحا دراسية للحكومة المالية خاصة في المجالات العلمية، العسكرية، الإدارية، ومجال الصحة، فقد سبق للجزائر أن قدمت مساعدة مالية قيمتها 10 ملايين دولار لمالي لتنمية مناطقها الشمالية، إذ قرر الرئيس بوتفليقة تقديم هذه المساعدة لتمويل مشاريع في قطاعات الصحة، الموارد المائية والتكوين، تتولى شركات مالية انجازها. وكانت هذه المناطق قد شهدت منذ مطلع عام 2000 اضطرابات مسلحة على إثر إقدام حركة 23 ماي للتغيير على حمل السلاح ضد الحكومة المالية، بسبب الأوضاع الاجتماعية والتنموية المتردية في الإقليم إلى جانب جملة من المطالب ذات الصبغة الأمنية والسياسية، وقد تمكنت الوساطة الجزائرية آنذاك والتي قادها سفير الجزائر بباماكو عبد الكريم غريب من إنهاء النزاع المسلح بين الطرفين ووضع آليات لتطبيق الاتفاقات المتوصل إليها في إطار ''اتفاق الجزائر'' والبروتوكول الملحق به. ويوحي تطور وتحسن العلاقات الثنائية الجزائرية المالية، التي قرر مسؤولو البلدين منذ نهاية افريل الماضي إعادة بعثها على أساس الثقة المتبادلة، إلى أن الأوضاع بمنطقة الساحل الصحراوي ستعرف استقرارا وتطورا تنمويا أفضل مما كان عليه في السابق، وخاصة مع قرب تجسيد مشاريع تنموية هامة ذات بعد قاري انطلقت فيها الجزائر ودول المنطقة على غرار الطريق العابر للصحراء وأنبوب الغاز الممتد إلى غاية نيجيريا وكذا خط الألياف البصرية الذي يعبر بنفس المسار، كما يرتقب تحسن الأوضاع الأمنية بالمنطقة في ظل تفعيل آليات الرقابة على الحدود، مما سيؤدي إلى تقليص نشاط الجماعات الإرهابية وتجار الأسلحة وكل المواد المحظورة، لا سيما في ظل الأوضاع التي تشهدها ليبيا. ولمحاربة هذه الظواهر والجرائم أعطت سلطات البلدين تعليمات لإعداد خارطة طريق سمحت بإنشاء آلية على المستوى المحلي بين حكومات شمال مالي والولاة على مستوى الجنوب الجزائري، وذلك في سياق التفكير في تقوية التنسيق الثنائي وتكييفه بشكل أفضل مع احتياجات البلدين في سياق التعاون الجهوي. وفيما يخص الشؤون الإفريقية فتعمل كل من الجزائر ومالي على تجسيد السلم الإقليمي من خلال دعمهما للوائح مجلس الأمن الأممي التي تؤكد حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، وإلحاحهما على تنفيذ هذه اللوائح طبقا للشرعية الدولية.