مرت أمس، يوما بيوم الذكرى الثانية والثلاثون لما يسميه المغرب بالمسيرة الخضراء التي أقدم خلالها الملك المغربي الراحل الحسن الثاني على احتلال اقليم الصحراء الغربية بعد اندحار الاحتلال الاسباني تحت وقع ضربات مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب· وبتواطئ من مدريد وباريس وصمت العواصم العالمية الكبرى تمكن الملك الحسن الثاني من احتلال الصحراء الغربية بعد أن قاد أكبر عملية استيطان يشهدها تاريخ العلاقات الدولية، شارك فيها أكثر من 350 ألف مغربي زعم حينها أنهم من السكان الأصليين لهذا الاقليم· وكانت عملية الاستيطان هذه "خضراء" فعلا على النظام المغربي آنذاك في ظل القلاقل الأمنية التي واجهها حكم الملك الراحل والمحاولات الانقلابية المتكررة التي تعرض لها وكان احتلال الصحراء الغربية بقوة السلاح والنار متنفسا له تمكن من خلاله تخفيف الضغوط من حوله وخلق شبه "قضية وطنية" رغم أنه افتعلها ووجد من يؤيدها· ولكن اللون الأخضر رمز المحبة والسلام الذي أعطي لعملية احتلال الصحراء الغربية انقلب الى الأسود الحالك بالنسبة للصحراويين مالبث أن تلطخ باللّون الأحمر بعد أن وجد مقاتلو جبهة البوليساريو أنفسهم مجبرين على الدخول في حرب أخرى فرضها عليهم الأشقاء الذين تحولوا بسب حسابات ضيقة الى أعداء حقيقيين مكان الاسبان· ويتذكر الصحراويون وكل العالم آثار تلك المسيرة التي كانت بداية لرحلة تشتت شعب بأكمله أرغم عليها أمام جيش ملكي مدجج بأسلحة فرنسية وإسبانية ثم تجميعها لقهر إرادة الصحراويين في التحرر والحرية· وإذا كانت سلطات الاحتلال المغربية قد تمكنت بفضل توطينها لمواطنيها وغالبيتهم من عناصر الأجهزة الأمنية والمنتفعين من مزايا الريع المخزني، من تغيير التركيبة السكانية في كبرى المدن الصحراوية وبصفة خاصة في العاصمة العيون، إلا أن هذه السلطات لم تتمكن طيلة كل هذه السنوات من تغيير قناعة الصحراويين التي آمنوا بها ورفضوا التخلي عنها مهما تغير الاستعماريون وهويتهم· ومازالت جبهة البوليساريو تدافع عن هذه القناعة وتصر على استكمالها بالطرق السلمية وفي اطار القانون الدولي الذي أدرج القضية الصحراوية ضمن قضايا التحرر الدولي وتصفية الاستعمار· ولاتفوت السلطات الصحراوية أية مناسبة إلا ودعت المجتمع الدولي الى التحرك العاجل لإنهاء مأساة شعب رفض منطق القوة والضم المغربي ورفض الإذعان بأن الأراضي الصحراوية أقاليم تابعة للمملكة المغربية· والمفارقة أن احتفال المغرب بما يسميها بالمسيرة الخضراء تزامن هذا العام مع الزيارة التي قام بها خلال اليومين الأخيرين ملك إسبانيا خوان كارلوس الى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وهو ما أفسد على السلطات المغربية "عرسها" باحتلال الصحراء الغربية وجاء ليؤكد أن مسيرة غزو الصحراء أخطأت وجهتها فبدلا من سلك طريق الشمال اختارت طريق الجنوب رغم مشروعية مطالبها في استعادة المدينتين المحتلتين· والمؤكد أن الملك المغربي الراحل أخذ بمنطق موازين القوة بين اسبانيا وجبهة البوليساريو ليجد نفسه مرغما على اختيار طريق الصحراء الغربية واحتلال شعبها من منطلق المثل الشعبي القائل "محفورتي ياجارتي"؟ *