بين زهرة وزهرة ينتقل الفنان التشكيلي كريم بلحمري في بستانه المشّكل من كوكبة من الأزهار متنوعة الألوان والروائح، وها هو يحط رحاله على أرضية تقنية الفسيفساء إلا أنه سرعان ما يغادرها نحو تقنية الاركيليك فتقنية الأكوارال وهكذا إلى أن يجد نفسه في عالم الحرفيات، حيث يستعمل الخشب والرمل وأغصان الأشجار والزجاج لتشكيل تحف أخرى تعرض العديد منها في مركز الثقافة العلمية بالعاصمة وهذا إلى بعد غد. التجول في معرض الفنان التشكيلي العصامي كريم بلحمري ممتع حقا، كيف لا وأعمال متنوعة التقنيات تقابلك في كل ركن من قاعة العرض لمركز الثقافة العلمية بأودان، فكيفما كان ذوقك ستجده مجسدا في عمل من أعمال الفنان، حتى المحّب والمفضل للتحف الحرفية سيجد ضالته في هذا المعرض وهو يرى زرافة مصنوعة من غصن كرمة ومركبا مصنوعا من بقايا الخشب وصحن رملي مصنوع من رمال جيء بها من الشلف وشرشال وتنس وورلة وتتوسطه نجمة البحر. وفي هذا السياق؛ كشف الفنان ل''المساء''عن حاجته الملحة في تنويع تقنيات الرسم بحجة نفوره من الروتين وكذا لحبه الانتقال من زهرة إلى أخرى دون توقف، مضيفا أن لكل زهرة رائحة خاصة ولون مميّز وتشكل جميعها باقة جميلة. ما الذي يسبق الآخر، التقنية أو الموضوع؟ يجيب الفنان أن عمله عفوي محض، فلا شيء يتحدد من قبل، أي أن العمل الفني في حد ذاته هو الذي يحدد مبدأ الأسبقية بين التقنية والموضوع، في إطار آخر تأسف كريم على عدم قدرة الفنان الجزائري العيش من فنه مما يجبره على بيع أعماله وحتى استنساخ العديد منها تحت الطلب. واعتبر كريم أن استنساخ عمل له تحت الطلب، أمر مؤلم وممل في نفس الوقت ويمس روحه الفنية في الصميم رغم أنه من المستحيل إعادة عمل ما بنفس المقاييس باعتبار أنه يصنع باليد لا بالآلة، بالمقابل؛ لم يفهم الفنان نفسه حينما أعاد رسمة ''طير اللحام الوردي'' بحجم كبير وهذا بإرادته، متسائلا عن الدافع الذي جعله يقوم بذلك وهو الذي يمقت الروتين ولا يحب إعادة رسوماته. ولم يجد كريم إجابة عن تساؤلاته، إلا أنه متأكد من القلق الذي شعر به حينما كان يرسم لوحة ثانية عن لوحته الأولى ''طير اللحام الوردي''، حتى أنه يشعر بالكثير من الضيق حينما يتذكر أن لوحتي ''طير اللحام'' الأولى بحجم صغير والثانية بحجم كبيرة، تعرضان في نفس القاعة، فلماذا يا إلهي أعاد هذه الرسمة؟ وكريم لا يرد على هذا السؤال، وقد يجد الإجابة يوما ما. وأعاد الفنان رسم لوحتين كبيرتين بتقنية الفسيفساء، الأولى بعنوان: ''مشهد صيد'' والتي توجد اللوحة الأصلية في متحف الشلف، ولوحة ''الأسرى'' والتي بدورها توجد اللوحة الأصلية في متحف شرشال، وتعودان إلى الحقبة الرومانية في الجزائر دليل على حب الفنان للحضارات الكبرى وكذا عن نظرته العميقة التي لا تحدها حدود والتي تتسم بالإنسانية، وكدليل آخر صنعه لصحنين رمليين واحد عن كليوباترا والثاني عن نفرتيتي. وكان للطبيعة مكان -أيضا- في لوحات الفنان، من خلال لوحتيّ: ''شروق الشمس'' و''غروب الشمس''، علاوة على لوحتيّ ''الأوشام'' التي جاءت الأولى تحمل موضوع عازف الكمان الذي عشق آلته الموسيقية فامتزجا معا في لوحة في غاية الرومانسية والرقة، أما الثانية فضمت رسومات بالألوان فاقعة عكس اللوحات الأخرى التي رسمها الفنان بألوان هادئة وفي هذا السياق قال إن استعماله للألوان الهادئة يدخل في نفسيته الراحة والهدوء. واهتم كريم بفن النسيج، فرسم لوحات تضم أشكالا قد نجدها في النسيج ولم يضع لها عنوانا وقال إن المحب للفن يمكن له أن يحدد موضوعها وعنوانها أيضا، أما عن لوحات خداع البصر، فاسم على مسمى، بل تصيبك بالدوار أيضا، ورسم الفنان لوحات أخرى بمواضيع شتى، مؤكدا كرهه الشديد للرسومات التي تتعلق بالمناسباتية. وعن عمله كأستاذ للرسم في الثانوية، أكد الفنان عن وجود مواهب شابة في الرسم، أبعد من ذلك فقد لقب بعضهم بالفنانين وأن مهمته معهم تقتصر على التوجيه فقط، في حين رّحب الفنان بكل من ينقد أعماله حتى ولو كان من الجمهور غير العارف بخبايا الفن التشكيلي. كريم بلحمري، فنان تشكيلي عصامي، انقطع عن عرض أعماله منذ سنة 1996 بعد أن اشترك في معارض جماعية في رواق محمد راسم وفندق الأوراسي ومسرح الهواء الطلق وغيرها، وها هو يعود اليوم إلى جمهوره وفي هذا قال: ''عودتي لم تكن مبرمجة، أعتقد أن رغبة الصعود إلى الخشبة عاودتني من جديد''.