أثار فيلم جديد، بدأ عرضه للجمهور أخيراً في القاعات السينمائية لبعض المدن المغربية، الكثير من الجدل والنقاش حول جرأته الكبيرة، ومنها طبيعة لغته الحوارية، التي تتّسم بألفاظ وشتائم بذيئة تُستعمل في الخطاب الشفوي للقاع المجتمعي، فضلاً عن لقطات وإيحاءات جسدية ساخنة كثيرة. وتتحدّث قصة فيلم ''فيلم''، الذي يعدّ أوّل فيلم طويل للمخرج أشاور الذي يلعب دور البطولة أيضاً، عن مخرج سينمائي يبحث عن تحقيق ذاته وطموحاته الفنية في إنجاز سيناريو مثالي لشريطه، فتحدث لديه شلالات من القلق الداخلي الذي ينكشف بمعية زوجته الممثلة وصديقه أيضاً، عبر رحلة لاستكشاف خبايا العلاقات الإنسانية والعاطفية بكل انكساراتها وخيباتها. وفيما يرى نقاد سينمائيون أنّ فيلم ''فيلم'' للمخرج محمد أشاور، يندرج ضمن الموجة الجديدة عند السينمائيين الشباب الذين يسعون للخروج من الانتهازية المزدوجة في المجتمع المغربي، فإنّ نقّاداً آخرين يعتبرون أنّ اللغة الساقطة المستعملة والمشاهد الساخنة المُقحمة لا علاقة لها بالواقعية السينمائية، بل الهدف منها هو التمرّد السلبي على قيم مجتمع مغربي محافظ. وقال أحمد بوغابة، الناقد السينمائي المغربي، إنّ تناول آراء حول فيلم ما، ومناقشتها تختلف إن كانت صادرة من الجمهور، أو من لدن مَنْ يعتبر نفسه متخصّصاً في الشأن السينمائي، مبدياً استغرابه من الأحكام الجاهزة، دون محاولة قراءتها في سياقها؛ إذ أن محتوى الفيلم هو الذي يحدد القراءة السينمائية، وتابع بوغابة في تصريحات ل''العربية.نت'' أنّه إذا كانت السينما المغربية قد عانت سابقاً من قراءات ايديولوجية أو سياسية معينة، فهي الآن تخضع لحكم أخلاقي صرف، حيث يريد البعض فرض سينما خالصة. وأبرز بوغابة أنّ قوّة فيلم ''فيلم'' لمحمد أشاور، هو أنه اعتمد على تسميته ب''فيلم'' غير مُعرَّف نحويا، يتساءل فيه عن ''الفيلم'' الذي يريده الجمهور في تعدّده، والمؤسسات الرسمية المختلفة، والمتخصّصين بكلّ ألوان أطيافهم؛ فهو بالتالي دعوة للنقاش عن ''النموذج'' الخالص المقبول، وبذلك نرفض التعددية، مما يؤدي إلى رفض ديمقراطية الفن، وخلص بوغابة إلى كون فيلم أشاور يشكّل واحداً من الأفلام المغربية التي تنتمي إلى الموجة الجديدة عند السينمائيين الشباب، الذين يسعون للخروج من الانتهازية المزدوجة في مجتمعنا، مشيراً إلى أن له حق التعبير برؤيته التي يريدها، كما أنّ الحق لمن لا يريد مثل هذه السينما أن يكتفي بمشاهدة التلفزيون، ولا داعي للذهاب إلى السينما، على حد تعبير بوغابة. في الجهة المقابلة، يرى الناقد السينمائي مصطفى الطالب أنّ السينما المغربية أخذت في السنوات الأخيرة منحى جديداً، يتمثّل في بروز أفلام جديدة لمخرجين شباب، تتّسم بالعنف اللفظي المتمثّل في الكلام الساقط من سبّ وشتم، لا يراعي قيم المجتمع أو المشاهد المغربي الذي يتطلّع إلى سينما تعكس ثقافته وحياته بشكل صحيح، والعنف الجسدي من خلال مشاهد العنف والتشاجر على شاكلة أفلام المافيا وغيرها، ثم المشاهد الجنسية الصارخة التي أصبحت ديدن كلّ مخرج يريد ولوج عالم السينما والشهرة، بل دخول سوق الإنتاج.وسرد الطالب في حديث مع ''العربية.نت'' نماذج من أفلام مستفزة، مثل ''كازا نكرا'' لنور الدين لخماري، و''شقوق'' لهشام عيوش، وغيرها...، ثم شريط ''نهاية'' لهشام العسري'' و''فيلم'' لمحمد أشاور، حيث كانا صادميْن للمشاهدين، بسبب اللغة الساقطة المستعملة والمشاهد الجنسية المقحمة عنوة، مبرزا أنه لا علاقة لذلك بالواقعية، لأنّ مفهوم الواقعية في الفن لا يعني نقل الواقع حرفيا، بقدر ما هو محاكاته والتلميح والترميز إليه، وأفاد الطالب أنّ الهدف من هذه الأفلام ليس المضامين، أو الاستمتاع بالجانب الفني -الذي لا نرى جماليته إلا في مشاهد قليلة-، وإنّما هو التمرّد السلبي والصارخ على قيم المجتمع المغربي، زيادة على البحث عن الشهرة والمال السهل.