نشأ وسط أسرة محافظة على الدين والقيم في الحي العتيق العقيبة (بلكور)، حرص أبوه على تعليمه، كانت والدته عاشقة للفن الأصيل (فضيلة دزيرية طيطمة..) فزرعت فيه روح اللحن الشجي والكلمة النقية المعبرة فأحب الفن بدوره، ولم يهمل دراسته، فتفوق في المرحلة الابتدائية لكن ذلك لم يمنحه حق التأهل إلى مراحل أخرى بسبب حرمانه منها، أحب التمثيل إلا أن الأقدار شاءت تحويل وجهته إلى العزف والتلحين. عن أسباب تركه مقاعد الدراسة في مرحلة مبكرة وعن كيفية تحوله عن ما كان يريده كما سطر له، وعن أهم انجازاته طيلة مشواره كان لنا هذا اللقاء الشيق مع الملحن القدير صاحب الأنامل الساحرة العازف مصطفى سحنون. ''المساء'': خلفت سياسة التجهيل التي خطط لها المستعمر ضحايا كثيرين ومحرومين كان بإمكانهم الوصول إلى أعلى مراتب العلم، فهل أنت منهم؟ الملحن مصطفى سحنون: أجل وإن كنت لا أعد أميا كوني درست مقارنة بمن حرم كليا من الدراسة وكنت متفوقا أيضا لكنني للأسف الشديد حرمت من مواصلتها وهذا ما حز في نفسي، أتذكر أنني حين اجتزت المرحلة الابتدائية بنجاح وكان ذلك في سنوات الأربعينيات، قال لي المدير الفرنسي مستهزئا: أتحسن اصطياد السمك؟ فسألته لماذا ''فأجاب: لأنه سيكون لديك وقت فراغ كبير يمكنك استغلاله في صيد السمك، واللبيب بالإشارة يفهم... ففهمت ما كان يعنيه وهو انتهاء مرحلة الدراسة بالنسبة لي ولغيري، لأن فرنسا لم تكن تسمح وقتها لأي جزائري بالتدرج في مراتب العلم تحسبا لعواقب ذلك على وجودها بالجزائر، اعتبرت ما تلفظ به ذلك المتغطرس إهانة لي ولأمتي فقررت أن أتحداه وأرسم طريق النجاح في عالم واسع هو عالم الفن.. - بعد حرمانك من الدراسة اخترت الفن. لماذا الفن تحديدا؟ وهل استطعت بالفعل التحدي والانتقام من فرنسا؟ * تخليت مُكرها عن العلم، وهذا ما دفعني للتفكير في طريقة أرد بها اعتباري وأذل بها من ذلني، فاخترت الفن لإيماني أنه رسالة وعملت على توظيف هذه الرسالة ضد فرنسا الطاغية وفي خدمة شعبي وثورة التحرير المظفرة. ? قبل الغوص في مضمون الرسالة التي وظفتها، يأخذني الفضول للرجوع إلى نقطة الانطلاق أي إلى بداية مشوارك الفني؟ ?? بدايتي كانت مع الكشافة الاسلامية حيث انخرطت ضمن صفوف فوج الأمير خالد وطبعا كنا نردد باستمرار الأناشيد الوطنية الحماسية ك''موطني'' و''عليك مني السلام'' وغيرهما ليأتي يوم أجد فيه نفسي عازفا على البيانو لجنيريك حصة أطفال (مسرح الغد) ذهبت إلى هناك وأنا عازف عن التمثيل فوجدتني وبطلب من الفنان الفكاهي جعفر باك عازفا فكان العزف قدري. - كيف استطعتم بعدها تكوين فرقة الوردة البيضاء؟ وما سر نجاحها؟ * تكونت الفرقة بفضل جهود نخبة من الموسيقيين منهم: محمد مختاري على الكمان، محمد مكركب عازف على القانون، روابي يوسف عازف على الكلازنات ومصطفى سحنون عازف على البيانو والأكورديون. جاءت الفكرة بعد اجتماعات مكثفة في مقهى الزهرة بالعاصمة وتخصصت الفرقة في عزف الأغاني الطربية لمحمد عبد الوهاب وفريد واسمهان مما أكسبها شهرة وشعبية واسعة كان الناس وقتها مولعين بالفن الشرقي، وقامت الفرقة بعدة جولات رفقة مطربيها منهم: محمد العماري محمد سليم، محمود عزيز أخ المرحوم عبد الرحمان عزيز وخضير منصور. - لنعد للحديث عن الفن ورسالته، كيف انتقمتم للإهانة؟ وكيف وظفتم الأغنية في خدمة الثورة؟ * فرنسا لم ترحمنا وأنا بدوري نلت قسطا كبيرا من تعذيبها لي إذ سجنت بدل أخي بوعلام كان ذلك بعد قتلها للشهيد نصيرة نونو وهو من العائلة بيومين فذقت أنواعا من العذاب في فيلا الأبيار وفيلا سيزيني (بلكور) بالكهرباء والماء كانت وضعية لا إنسانية ووحشية بل في منتهى الوحشية! وبعدها أطلق سراحي بالخطإ فحذرتني الجبهة من البقاء لأن فرنسا كانت ستقتلني حتما وهذا ما اضطرني للسفر إلى فرنسا سرا أنا وبوعلام منصور في صندوق بمؤخرة الباخرة وهناك واصلت نضالي بالكلمة واللحن والفن بإشراف الفنان الكبير والمغني (عمراوي ميسوم) ومعه فريد علي، هذا الأخير الذي كان مسؤولا في التلفزة الفرنسية ويخدم جبهة التحرير، جاءنا الأمر من الجبهة بتكوين فرقة فنية موسيقية تكون الناطق الرسمي لها لأجل تحرير الجزائر (بتونس) ومن هنا جاءت الفرصة للانتقام من وحشية فرنسا وجبروتها عن طريق انتاج غزير للأغاني الحماسية والأناشيد الوطنية. أول أغنية كانت ''قلبي يا بلادي لا ينساك'' من كلمات المناصل مصطفى التومي وتلحيني وغناء الطفل الهادي رجب ابن (13 سنة) آنذاك، وأغنية ''القصبة عليك أنغني'' و''دعاء المهاجر'' وأغنية باللهجة القبائلية لفريد علي: ''أيما أعزيزن''. وكم تهكمنا على فرنسا ومن تصريحات قاداتها فكانت أغنية جعفر باك كرد فعل على ما قاله (ديغول) فيما يتعلق بندائه للسلم ونسيان سنوات القتل والتعذيب ووقف الكفاح وإليه وجهت هذه الكلمات: يا ديغول بَرْكَ ما تنبح شي معقول منحطوش السلاح الحرب أيطوّل هذا وين حلا الكفاح.. وردا على ديغول دائما عندما زعم أن فرنسا أعطتنا الحرية جاءت هذه الأغنية من كلمات جعفر باك: تحت عنوان: اديناها... الحرية لا تعطى، بل تؤخذ، اديناها... - مصطفى سحنون اسم لامع في عالم التلحين فأي الأصوات كان لها شرف التغني بألحانك؟ * الحقيقة أن القائمة طويلة من المطربين الجزائريين منهم الهادي رجب، المرحوم محمد راشدي، الغازي المرحوم سامي الجزائري، أغنية (هي هي) و''قريت الحب في عينيك''، المطربة سلوى، نورة، ثورية المرحومة نادية قرباج والمرحومة صليحة الصغيرة، وغيرهم، ومن الفنانين العرب لحنت لعلية التونسية (حيو الجزائر)... وللمطرب المصري كريم محمود الجزائر أرض الحرية، ولمحمد قنديل (هيا يا أخي هيا) وللمطربة فايزة كامل نشيد الجمهورية وكلها أغان مسجلة في الإذاعتين التونسية والمصرية وفي صوت العرب من القاهرة... - وبعد رحلة طويلة في عالم الألحان.. شاقة ومثمرة هل من جديد؟ ماهو جديد إنتاجك؟ * حاليا هناك انتاج للصغار متمثل في ألبومين الأول يحتوي على أغان تربوية هادفة تؤدى من طرف مجموعة صوتية للأطفال (اسم الفرقة) براعم ابن الناس والألبوم الثاني أغان ثورية منها نوفمبر يا أطفال من أداء ابنتي أمينة سحنون. كما أن هناك أوبرات عنوانها: خالتي خيرة يا جزائر، تتخللها مقاطع لكفاح الجزائر ستسجل إذاعيا وتلفزيونيا وتؤدي الدور الرئيسي نسيمة شمس. كما لدي مشروع كبير لفيلم ثوري عنوانه ''في يوم من الأيام'' مدته ساعة ونصف وهو فيلم موسيقي يروي أحداث الثورة (من 1830 1962) أعتزم انتاجه، فقد أخذنا الموافقة المبدئية من السيدة الوزيرة خليدة تومي في انتظار أن تعطينا الموافقة الفعلية. - وماذا بشأن القضايا القومية ومنها القضية الفلسطينية؟ * هناك أغنيتان الأولى بعنوان ''القدس نتاعنا وفيه أنسالو''.. من كلمات العربي بن جنان وغناء فاتن ومن تلحيني.. أما الثانية ''فلسطين.. فلسطين'' كلماتي وألحاني، وغناء رشيد منير. - كلمة أخيرة؟ * الوضع في العالم العربي هائج وكل ما نرجوه أن يسود السلم والسلام بين أمة الإسلام.