إشادة بالمساهمات الثمينة للفقيد في إبراز التاريخ الوطني الحديث تواصلت أمس ردود الفعل المتاثرة لوفاة السيد عبد الحميد مهري أول أمس عن عمر يناهز 85 عاما، حيث اشادت بخصال الرجل وأدواره النضالية والسياسية المتميزة، بالاضافة إلى إنجازاته الثرية وإسهاماته في المجالات التاريخية والفكرية. وفي هذا الصدد أكد رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح امس الثلاثاء أن المرحوم عبد الحميد مهري ''كان شاهدا وموثقا، ساهم في القاء أضواء هامة على العديد من الوقائع في تاريخ الجزائر الحديث''، مضيفا ان الفقيد ''لم يكن فقط فاعلا في احداث ومراحل من النضال الوطني والكفاح الثوري المرير''. وفي برقية تعزية بعثها الى أسرة الفقيد نوه السيد بن صالح ب''المساهمات الثمينة للفقيد في ابراز تاريخنا الوطني الحديث والتي كانت محل تقدير واحترام''، مضيفا أن متاعب التقدم في العمر لم تثن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني من المشاركة في الندوات والملتقيات التاريخية والسياسية والفكرية للإدلاء بأفكاره والتعبير عن وجهات نظره. كما أثنى السيد بن صالح على ''الإنجازات الثرية والحافلة التي حققها المناضل والمسؤول والسياسي المتميز والمثقف عبد الحميد مهري''، مشيدا في نفس الوقت ب''الخصال الحميدة التي تميز بها طيلة حياته''. وقال السيد بن صالح في برقية التعزية لعائلة الفقيد: ''وانني أمام هذا المصاب الجلل لأتقدم إليكم باحر التعازي واصدق مشاعر المواساة والتعاطف، داعيا المولى عز وجل أن يلهمكم الصبر والسلوان ويتغمد الفقيد برحمته الواسعة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا''. من جهته أكد رئيس المجلس الدستوري السيد بوعلام بسايح امس أن الجزائر بوفاة عبد الحميد مهري فقدت ''أحد رجالها الاخيار الذين تفانوا لسنوات طوال في أداء الواجب الوطني بإخلاص''. وفي برقية تعزية بعث بها إلى أسرة الفقيد، كتب السيد بسايح أن الجزائر فقدت برحيل عبد الحميد مهري ''شخصية تاريخية لامعة وأحد رجالاتها الأعلام الأخيار الذي تفانى لسنوات طوال في أداء الواجب الوطني بإخلاص واقتدار بقناعة صادقة وأخلاق رفيعة عبرمختلف مواقع النضال والمسؤولية السامية التي تولاها خلال مرحلتي التحرير والتشييد في خدمة الوطن العزيز فكان جديرا بكل المحبة والتقدير والاحترام''. واعربت الطبقة السياسية الوطنية برمتها عن اسفها لرحيل عبد الحميد مهري معتبرة اياه ''المجاهد الاصيل للقضية الوطنية''. وفي هذا الصدد نعى امس الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني نبأ وفاة المناضل والمجاهد عبد الحميد مهري، مشيرا الى انه كرس حياته من اجل وطنه منذ ان انخرط في الحركة الوطنية، مضيفا انه كان مناضلا صلبا صبورا على الشدائد والمحن ووضع فكره وتجربته النضالية وقدراته التنظيمية في خدمة قضية وطنه اثناء ثورة نوفمبر. واضاف بيان الامين العام انه ''فقدنا في المرحوم عبد الحميد مهري المدرسة الوطنية النضالية والتاريخية والثقافية. وعبر رئيس حركة مجتمع السلم السيد أبو جرة سلطاني في برقية تعزية عن تألمه ''لفقدان هذا الرجل الوطني الرمز المجاهد الكبير وأستاذ الجيل الذي تعلمنا منه الكثير والذي أفنى حياته في خدمة الجزائر بعد أن أعطى كل ما له من قوة وتضحية في تحرير الوطن العزيز''. وقد كان المرحوم -يضيف السيد سلطاني- من الرعيل الأول لثورة التحرير المباركة ثم بذل بعد الاستقلال كل جهده بإخلاص وتفان في بناء الجزائر المستقلة، مؤكدا انه عرف عنه ''حبه للوطن واستعداده للتضحية في سبيله بلا حدود وصابرا محتسبا مدافعا عن الحق مهما كلفه ذلك من ثمن''. من جهتها عبرت حركة الاصلاح الوطني عن حزنها الشديد لرحيل المناضل الكبير عبد الحميد مهري، الذي وصفته بحكيم الجزائر ومفخرتها وصاحب الرزانة والاعتدال والكفاءة، الذي حارب من اجل جزائر تنمو وتتطور في اطار خصوصيتها العربية الاسلامية. كما عبرت عدة هيئات ومنظمات عن بالغ تأثرها لرحيل عبد الحميد مهري، مؤكدة أنه كان ''رائدا من رواد الحركة الوطنية'' و''أستاذ الجيل''. وتقدمت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الانسان وحمايتها بتعازيها القلبية لعائلة الفقيد راجية من المولى ان يتغمد روحه برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنانه. ومن جهته اعتبر المجلس الأعلى للغة العربية في برقية تعزية وجهها لأسرة الفقيد ومحبيه أن مهري كان ''رائدا من رواد الحركة الوطنية ومن الرعيل الأول الذين ساهموا في الثورة وفي بناء الدولة الجزائرية بعد تحريرها''. من جانب آخر وقفت وفود الدول المغاربية المشاركة في اشغال الدورة السابعة لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المنعقدة بباليمبانغ الاندونيسية امس وقفة ترحم لتلاوة الفاتحة على روح الفقيد وبعثوا تعازيهم الى اسرة فقيد الجزائر والامة العربية والاسلامية. ويعتبر الفقيد عبد الحميد مهري احد الوجوه البارزة في حركة التحرير الوطنية، حيث دخل معترك النضال من اجل استقلال الجزائر منذ نعومة اظافره. وقد تقلد العديد من المسؤوليات في هياكل حزب الشعب الجزائري ثم الحركة من اجل انتصار الحريات الديمقراطية قبل التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني غداة اندلاع الكفاح المسلح ضد فرنسا الاستعمارية. كما شغل الفقيد العديد من المناصب في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية حيث تولى منصب وزير شؤون شمال افريقيا ثم وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية. وبعد اعلان الاستقلال فضل ''الانسحاب بصفة ظرفية'' من الحياة السياسية قبل ان يدخل عالم الدبلوماسية لعديد السنوات والدفاع عن مصالح الجزائر في كبرى المحافل الدولية. وعين الفقيد سفيرا في العديد من البلدان ثم وزيرا للاعلام واستمر في النضال في جبهة التحرير الوطني قبل ان يتولى قيادة الامانة العامة لهذا الحزب. ومن بين ما تميزت به عهدته على رأس هذا الحزب من (1988-1996) التحولات السياسية والاعلامية التي عرفتها الجزائر غداة احداث ال5 اكتوبر1988 ومسار الاصلاحات التي باشرها الرئيس الاسبق الشاذلي بن جديد. وقد أدى وقف المسار الانتخابي للانتخابات التشريعية التعددية في جانفي 1992 الرامية الى انقاذ ''الجمهورية من المد الاصولي'' الى وضعية استثنائية في الجزائر تميزت بالعنف الارهابي والعزلة شبه الكلية للبلاد على الصعيد الدولي. وقد اتخذت جبهة التحرير الوطني تحت قيادة عبد الحميد مهري موقفا ''تصالحيا'' وصل الى حد المشاركة في قمة سانت ايجيديو (ايطاليا) التي كرست ''ادانة'' وقف المسار الانتخابي. وتولد من هذا المسعى تيار معارض قوي داخل جبهة التحرير الوطني استطاع التخطيط للإطاحة بمهري من خلال ما اعتبرته الاوساط السياسية والاعلامية ب''الانقلاب العلمي''. ومنذ ذلك الحين اتخذ عبد الحميد مهري موقف الملاحظ المتبصر للساحة السياسية والثقافية والاجتماعية للبلاد حيث كان يدلي برايه كلما رأى ذلك مناسبا في كبريات القضايا الوطنية والدولية الراهنة. كما انه وفي معرض مشاركته كشخصية سياسية وطنية في هيئة المشاورات حول الاصلاحات السياسية اوصى الفقيد باجراء اصلاحات سياسية ''عميقة وحقيقية'' وذلك -كما قال- من خلال مشاركة عريضة للقوى السياسية للبلاد ''بدون أي اقصاء''. كما كان قد اكد خلال احدى الملتقيات الاخيرة بالجزائر العاصمة ان النظام السياسي الجزائري ''قد تجاوزه الزمن واصبح غير فعال''، مضيفا انه توجد امكانية لاصلاحه أو تغييره عبر ''مسعى توافقي لا يقصي أية قوة سياسية في البلاد بما في ذلك النظام القائم''.