لا زال ملعب 5 جويلية الأولمبي الواقع بدالي إبراهيم بالعاصمة، يشكل أبرز وأهم محطات التتويجات للرياضة الجزائرية على مر السنين التي أعقبت استقلال الجزائر، و كانت تكلفة إنجاز هذه التحفة الهندسية الرياضية باهظة من الناحية المالية، حيث استمرت الأشغال لأكثر من خمس سنوات، وقد دشن في 1973 من طرف رئيس الجمهورية الراحل هواري بومدين، وكنا من بين المتفرجين على الدورة الدولية الكروية التي نظمت بهذه المناسبة، وشارك فيها منتخب مغاربي ضم أحسن نجوم الكرة المغاربية في تلك الفترة، على غرار لالماس وبتروني (الجزائر)، مصطفى وعلال (المغرب)، شقرون (تونس)، إلى جانب نادي “أ. سي ميلانو” الإيطالي الذي قاده اللاعب الشهير ريفا، والفريقين البرازيليين فاسكو دي قاما وبلمايراس. وقد استجاب ملعب 5 جويلية، إلى حد ما، للعجز الذي كان حاصلا آنذاك في مجال المنشآت الرياضية، إذ كان النشاط الرياضي يجري بنسبة كبيرة على مستوى المنشآت الرياضية القليلة التي تركها الإستعمار، وكان لا بد على الدولة الجزائرية أن تنطلق بسرعة في إنجاز قاعدة واسعة في هذا المجال، من أجل الاستجابة لطموحات الشبيبة الجزائرية التي كانت متعطشة للممارسة الرياضية. وكان مشروع الملعب الأولمبي من تصميم المهندس البرازيلي المعروف عالميا، أوسكار نيميير، إلى جانب مشاركة مهندسين جزائريين مختصين في الهندسة المعمارية في تجسيد القرية الأولمبية التي بالإضافة إلى الملعب المذكور، تضم قاعة بيضاوية متعددة الرياضات، معهدا لتكنولوجيا الرياضة، و أرضية للتدريبات الخاصة بألعاب القوى، مسبحا نصف أولمبي وملاعب كثيرة للتدريب، مع إضافة، فيما بعد لهذا المشروع، مقرين للإتحاديات الرياضية، ليطلق على هذه المشاريع المندمجة إسم “ القرية الأولمبية “ ورغم الحجم الكبير من المنشآت الرياضية التي شهدت النور بعد سنوات من الإستقلال، إلا أن ملعب 5 جويلية الأولمبي لا زال يشكل أحسن ذكرى فيما يتعلق بالنتائج الرياضية الكبيرة التي نالتها الجزائر انطلاقا من سنوات السبعينات، و كانت المناسبة الأولى مع تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975 التي شهدت تتويج المنتخب الوطني أكابر لكرة القدم بالميدالية الذهبية لهذه الدورة، تحت قيادة المدرب رشيد مخلوفي الذي استطاع في فترة زمنية وجيزة أن يعدّ تشكيلة وطنية شابة كان تعدادها ممثلا من لاعبين يؤدون الخدمة الوطنية، منهم بشكل خاص؛ صفصافي، سرباح، كدو، معزيز، منقلتي، بن قادة، إيغيلي، والموهبة الكبيرة المرحوم عيسى دراوي، وعمر بتروني الذي كان بطل ليلة المباراة النهائية بين “الخضر” والمنتخب الفرنسي، حيث استطاع اللاعب السابق لمولودية الجزائر أن ينقذ الجزائر من هزيمة كانت وشيكة بعد تعديله للنتيجة ( 2-2) في اللحظات الأخيرة من اللعب، ليضيف في الوقت الإضافي الظهير الأيمن منقلاتي، هدف الفوز بضربة رأسية وجهها نحو شباك الحارس الفرنسي أورلانديني من مدخل منطقة العمليات، و عاشت العاصمة ليلة بيضاء بسبب هذا الإنتصار، بعد أن غصت شوارعها بالآلاف من الأشخاص الذين خرجوا من أجل الإحتفال بذلك الإنجاز الكبير الذي تبعه تتويج بارز آخر، تمثل في الميدالية الذهبية التي نالها العداء بوعلام رحوي في سباق 300 م حواجز على مضمار ملعب 5 جويلية، ونتذكر كيف أن هذا العداء الذي أصبح فيما بعد ضابط شرطة، ترك بدون قصد الرقم القياسي العالمي لهذا الإختصاص يضيع من بين يديه، إذ بعد انفلاته من العدائين الذين كانوا وراءه، انشغل رحوي بتحية الجمهور لتأكده من الفوز عوض أن يسرع للوصول إلى خط الوصول، لكن الميدالية الذهبية كانت بالنسبة لرحوي أغلى من كل قيمة أخرى. وقد شهد ملعب 5 جويلية بعد مرور سنة على تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط، نيل الجزائر أول تتويج قاري في كرة القدم، عن طريق نادي مولودية الجزائر الفائز بكأس الأندية الإفريقية الفائزة بالبطولة أمام النادي الغيني حافيا كوناكري الشهير بنجميه بيتي صوري والشريف سليمان، وكان ممثلنا يضم في صفوفه شلة من اللاعبين الممتازين مثل؛ زنير، زمور، عزوز، باشي، بن شيخ وبتروني الذي كان نجم تلك المباراة النهائية الليلية، حيث استطاع أن يعدل النتيجة من حيث عدد الأهداف، بعد أن فاز المنافس الغيني في لقاء الذهاب ب 3- 0 واستطاعت مولودية الجزائر أن تحسم التتويج لصالحها خلال الضربات الترجيحية، وعبدت بذلك طريق التتويجات القارية للأندية الجزائرية، منها بشكل خاص شبيبة القبائل. وكتب على ملعب 5 جويلية أن يسجل اسمه بأحرف من ذهب في تتويجات الرياضة الجزائرية، بعد أن تكفل بلدنا بتنظيم الألعاب الإفريقية سنة 1978، حيث تكرر مشهد الإنتصارات من خلال الميدالية الذهبية التي فاز بها المنتخب الوطني لكرة القدم، ومدربه رشيد مخلوفي الذي أدخل بعض التغييرات في تعداد الفريق باستقدام لاعبين آخرين منهم؛ بلكدروسي وبن شيخ الذي سجل هدف التتويج في المباراة النهائية في شباك الحارس العملاق لمنتخب نيجيريا أوكالا. الخيبة الوحيدة التي سجلناها على مستوى هذا الملعب، تمثلت في إخفاق الفريق الوطني أمام نظيره التونسي في المباراة الحاسمة التي جمعتهما، وتأهل فيها التونسيون إلى نهائيات كأس العالم 1978 بقيادة حارسهم الأسطوري عتوقة الذي أبكى الآلاف من الجزائريين الذين غصت بهم مدرجات الملعب، أملا منهم في رؤية الخضر يمرون لأول مرة إلى كأس العالم، وكان الإقصاء بمثابة كارثة كبيرة للكرة الجزائرية، حيث اضطر المدرب رشيد مخلوفي إلى تقديم استقالته تحت ضغط الجمهور. ولم يتوقف الملعب الأولمبي عن صنع الأفراح الجزائرية في المجال الرياضي، وكلنا نتذكر المباريات الجميلة التي لعبها الفريق الوطني بقيادة الثنائي روغوف ومعوش، ثم مخلوفي و خالف لحساب تصفيات كأس العالم 1982، وقتها زار الملعب أندية مرموقة مثل؛ ريال مدريد وجوفنتوس، ومنتخبات تونس البيرو، المغرب وإيرلندا، كما شهد الملعب بعد أربع سنوات من مونديال إسبانيا تأهل “الخضر” إلى مونديال المكسيك ( 1986 )، تحت قيادة المدرب القدير رابح سعدان. بعد سنوات قليلة من المشاركتين المتتاليتين في كأس العالم، توج المنتخب الوطني في ذات الملعب تحت قيادة المدرب عبد الحميد كرمالي بكأس أمم إفريقيا التي احتضنت أطوارها الجزائر في 1990، حيث فاز الخضر في الأدوار التصفوية على كل من نيجيريا (5 -1)، كوت ديفوار (3- 0) ومصر (1 - 0)، بينما في الدور نصف النهائي، لعب زملاء ماجر مع السنغال وفازو عليه بنتيجة (2 -1) قبل أن يواجهوا مجددا منتخب “النسور الخضر” في المباراة النهائية لهذه الدورة و يفوزون عليهم بنتيجة (1- 0) بفضل الهدف الذي سجله قلب الهجوم أوجاني، وهو ابن العضو السابق لفريق جبهة التحريرالوطني أحمد أوجاني. وبعد زمن قصير على هذا التتويج، نال الفريق الوطني بذات الملعب الكأس الآفرو- أسيوية في مباراة العودة التي استقبل فيها منتخب إيران. وكان ملعب 5 جويلية مسرحا لمباريات البطولة المثيرة، لا سيما التي تحمل طابعا محليا، لكن الملعب مع مر السنين، فقد كثيرا من شعبيته ومن النكهة والأفراح التي كان يصنعها، إلى درجة أن الفريق الوطني هاجره وأصبح يستقبل بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة. وما يحز كثيرا في نفوس الرياضيين الذين عايشوا السنوات الذهبية لهذا الملعب، هو اندثار أرضيته التي أصبحت غير صالحة لإجراء المباريات، لاسيما في مرحلة تساقط الأمطار، ولا زالت هذه الأرضية على حالها بالرغم من عمليات الترميم التي خضعت لها من مختصين عالميين.