أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس أن نجاح عملية التنمية في إفريقيا مرهون بتحسين معايير الحكم الراشد وتجذيرها الدائم في مختلف مجالات النشاط، مشيرا في المقابل إلى أن ترشيد الحكم في القارة لا يمكن أن يقتصر على عملية مكافحة الرشوة والفساد وحدها، وإنما ينبغي أن يندرج ضمن مسعى تقويمي شامل يأخذ في الحسبان إصلاح كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتسيير عمليات الاندماج الجهوي والقاري. وأبرز السيد بوتفليقة لدى إشرافه رفقة الرئيس الألماني السيد هورست كوهلر على افتتاح أشغال المنتدى التاسع من أجل الشراكة مع إفريقيا (النيباد) بقصر الأممبالجزائر، الأهمية التي تكتسيها الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء في تجسيد هذا المسعى التقويمي الشامل الذي يتوخى بعث ثقافة الشفافية ووضع مؤسسات كفيلة بمهام تقليص مناطق النزاعات المسلحة وتوسيع فضاءات السلم والاستقرار، وتشجيع الشرعية الدستورية والتمثيل الشعبي وتكريس أنظمة حكم ديمقراطية وتشاركية على أوسع نطاق، علاوة على تسيير عمليات الاندماج، جهويا وقاريا· وأوضح رئيس الجمهورية أن عمليات إصلاح وتحديث المؤسسات المكلفة بالتنمية، ألقت الضوء على الأهمية البالغة التي تكتسيها مسألة الحكم في حركية تغيير المجتمعات، وأكدت بالتالي أن الحكم الراشد يمثل الأداة الأساسية والمحرك الرئيسي للتنمية· وانطلاقا من هذه الحقيقة فقد وجهت البلدان الإفريقية جهودا تتوخى الشفافية في تسيير المالية العمومية وإيجاد البيئة المؤسساتية المواتية لتطوير الاستثمارات المحلية والأجنبية، وكذا مكافحة آفة الرشوة والفساد التي تنجر عنها عواقب وخيمة على التنمية الاجتماعية الاقتصادية، على حد تأكيد رئيس الجمهورية الذي شدد في هذا الإطار على أن قطع شأفة هذه الآفة يقتضي التعبئة الفعالة والالتزام النشط لكل بلدان القارة وكافة شركائها في التنمية، معتبرا بأن المبادرات التي اتخذتها منظمة التعاون والتنمية والبنك العالمي لهذه الغاية، هي مبادرات محمودة، لكنها تبقى محدودة المدى· وبعد أن أكد أن ازدهار إفريقيا معناه ازدهار شركائها، حيث تكون بهذا المنظور العلاقات بين الطرفين عميمة الفائدة وتشكل قطيعة تامة مع منطق الإسعاف الذي ساد في السابق، ذكر السيد بوتفليقة بأن مبادئ الشراكة الجديدة من أجل تنمية افريقيا (نيباد) وأهدافها في تنمية القارة تستوقف في المقام الأول أهل القارة، وتستدعي أيضا مرافقة ناجعة من الشركاء في التنمية وعموم المجموعة الدولية، على أن تنصب هذه المرافقة على الأولويات التي يحددها الأفارقة أنفسهم· ومن هذا المنطلق دعا السيد بوتفليقة المشاركين في المنتدى من أجل الشراكة في إفريقيا، إلى توجيه أشغالهم باتجاه هدف تحقيق تضافر أفضل للجهود بما يجعل ديناميكية الحوار والتعاون المتضامن والشراكة العميمة الفائدة تستجيب على وجه أوفى للتطلعات، ويجعل من اللقاء سبيلا لإيجاد الوسائل الضرورية لتعزيز التقدم المحقق لحد الآن· مذكرا بأن جسامة التحديات التي تواجه إفريقيا تجعل منها بالظروف الحالية القارة الوحيدة التي سيتعذر عليها تحقيق أهداف الألفية في أفق 2015· مما يستدعي استغلال الوقت المتاح للعمل المشترك من أجل رفع هذه التحديات، وإدراك النقائص التي تعاني منها التنمية في إفريقيا، التي وبالرغم من تعدد البرامج الإصلاحية الواسعة التي باشرتها ونسب التنمية المشرفة التي حققها العديد من بلدانها، لا زالت تعاني الفقر وتعاني الإختلالات في مجالات الصحة والتربية والتشغيل والسكن، وفيما يخص تلبية الحاجات الحيوية للسكان· ولدى تطرقه إلى الجهود المبذولة في إطار مقاربة الإصلاح والتجدد والتقويم الشامل على الصعيد الوطني، أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إن الجزائر تنضوي تماما ضمن منطق التجدد هذا، مشيرا إلى أن الإصلاحات العميقة التي باشرتها الدولة "تتوخى بصفة مستدامة إرساء الديمقراطية ودولة الحق والقانون والتعددية السياسية وحرية التعبير وحماية حقوق الانسان وترقيتها، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية·· وتشمل كافة القطاعات الاستراتيجية في حياة مجتمعنا"· وذكر في سياق متصل بان سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي زكاها الشعب الجزائري أتاحت استعادة السلم والاستقرار، ومكنت من توجيه جهود وإمكانات الأمة، نحو إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وأكد أن الإرادة الراسخة للجزائر التي تعتبر اليوم ورشة مترامية الأطراف مؤسساتيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، في حشد كافة مواردها وتسخيرها لوضع آليات تتيح للبلاد التساوق مع مقتضيات الحداثة· وأشاد الرئيس بوتفليقة بالجهود التي تبذلها ألمانيا التي تترأس حاليا مجموعة الثمانية في ترقية الشراكة القائمة بين هذه المجموعة والقارة الإفريقية من اجل عالم متوازن ومتساو في الحقوق والواجبات، معتبرا حضور الرئيس الألماني مراسم افتتاح المنتدى دلالة قوية على الأهمية التي يوليها شركاء القارة للمنتدى ولدوره الحاسم في ترقية الشراكة بين إفريقيا والبلدان المتقدمة· من جهته أبرز رئيس جمهورية ألمانيا الفدرالية السيد هورست كوهلر أهمية الحوار في ترقية العلاقة والشراكة بين الطرفين، وأكد في السياق نفسه ضرورة العمل سويا من أجل تحقيق سياسة تنموية شاملة، مشيرا إلى أن العولمة تعني ترابط المجتمع الدولي، من خلال منح فرص تعود بالفائدة على الجميع· ودعا الرئيس الألماني إلى وضع شروط تجارية منصفة بين إفريقيا والدول المتقدمة، مقترحا إلغاء الحواجز الجمركية المطبقة على المنتوجات الإفريقية المحولة· كما أثنى على مبادرة الدول الإفريقية إلى تنصيب الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء، في إطار مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (النيباد)، مؤكدا أن هذه المبادرة كفيلة بأن تفضي إلى إصلاحات واسعة ومستديمة· وفيما وصف نتائج التقييم الخاص بالجزائر في إطار هذه الآلية بالإيجابية، دعا السيد كوهلر الدول الغربية إلى الإستلهام من هذه المبادرة، معتبرا بأننا في وقت يمكن فيه لدول الشمال أن تستفيد من حلول التنمية المنتهجة لدى دول الجنوب· معربا في الأخير عن أمله أن يتعامل المجتمع الدولي إيجابيا مع عرض التعاون الإفريقي التي جاءت به مبادرة النيباد· للإشارة فقد ناقش المشاركون في اليوم الأول من منتدى الشراكة مع إفريقيا الذي يختتم اليوم موضوعي "الحكم في التنمية" و"الشراكة من أجل التنمية"·