تواصلت، أمس، أشغال مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي في دورته العشرين بوهران بمناقشة حقوق المسجون في الفقه الإسلامي وذلك من خلال مداخلة الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش، الأستاذ بجامعة الرياض (السعودية)، الذي تطرق إلى حقوق السجناء في الشريعة الإسلامية وتطبيقها في العربية السعودية، فتكلم المحاضر عن الغاية من السجن، وعرض فوائده وعيوبه، والعقوبات البديلة له ومشروعيتها وأنواعها كإحلال عقوبة من نوع معين محل عقوبة السجن، والاستعانة ببعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية القائمة في المجتمع أو المراقبة القضائية أو الإفراج المشروط أو الإلزام بالعمل لصالح المجتمع. وربط المحاضر هذه البدائل بضوابط معينة ومعايير تحدد اللجوء إليها مع مراعاة قابليتها للتنفيذ وتوفير آليات ذلك مع المراجعة المستمرة والتحقق مما توفره من فوائد اجتماعية، معرجا على نظرة الإسلام للسجن، الذي له غاية وأهداف نبيلة، أهمها حفظ كرامة المسجون وعدم إهدار حقوقه المدنية والإنسانية وحق المسجون في ممارسة شعائره الدينية زيادة على التعليم والرعاية الصحية الوقائية والغذاء والكسوة والنظافة إلى جانب توفير الفرص المواتية لحل المشاكل التي أدت به إلى دخول السجن. أما الشيخ حمزة بن حسين الفعر الشريف، الخبير العالمي للاستشارات المصرفية الإسلامية، فأكد في مداخلته المتعلقة بحقوق السجين في الإسلام على أهمية وجود السجن وتعدده حسب الهدف كسجن الإيذاء وسجن الإصلاح وسجن التأديب وسجن الحفظ لكف من يخشى شره وضرره والسجن السياسي. موازاة مع هذا، تطرق الشيخ حمزة بن حسين الفعر إلى حقوق السجين في مواثيق الأممالمتحدة انطلاقا من تناوله موضوع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الأممالمتحدة في جمعيتها العامة يوم 10 / 12 / 1948 والمتكون من 30 مادة وصولا إلى المواثيق الإسلامية لحقوق الإنسان بداية بإعلان القاهرة سنة 1990 والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، منها الفصل بين مختلف الفئات في مؤسسات مختلفة أو أجزاء مختلفة من المؤسسات مع مراعاة الجنس والسن والسوابق وأسباب الاحتجاز ومتطلبات معاملتهم مع الحرص على تزويدهم بالمعلومات وتمكينهم من الحق في الشكوى. أما الشيخ محمد علي التسخيري، الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فتطرق إلى العلاج الإسلامي المتناسق للجريمة في المجتمع بالأساليب العقائدية والتربوية، موضحا أن علماء الشريعة ركزوا على وجوب محاربة الجريمة دون النظر لشخص المجرم أو التركيز على المجرمين وإهمال عنصر الجريمة وضرورة محاربتها ليتفق مع غيره من بقية العلماء والأساتذة المتدخلين على كافة الحقوق التي أوجبها الفقه لفائدة المسجونين، وهو نفس المنحى الذي ذهب إليه الأستاذ جعفر عبد السلام، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، من خلال عرض فلسفة العقوبة والغرض منها من حفظ المجتمع من الأخطار وتهذيب الجاني وإعادة تأهيله خلال قضاء العقوبة. في نفس الاتجاه، قال الأستاذ حسن بن محمد سفر، أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة بجامعة الرياض (السعودية)، إن السياسة الشرعية المعتمدة في المحافظة على الحقوق والواجبات للإنسان والمجتمع جعل الإسلام يهتم كثيرا بحقوق الإنسان وكرامته الإنسانية وحرياته وكيفيات تقاضيه في الشريعة الإسلامية عملا بتحقيق العدالة للمتهم وكفالة حق التقاضي من خلال سهولة التقاضي وتوفير شروط توجيه الاتهام وتوقيف المتهم وعدم التعرض للمتهم بالإيذاء في النفس أو الجسد أو الكرامة، علما أن جميع الأساتذة المتدخلين والمناقشين توصلوا خلال حواراتهم إلى وجوب العمل الميداني لتجسيد ضمان الحقوق للسجين مهما كانت صفته والجريمة أو الجنحة التي ارتكبها. عقوبة الإعدام بين التأييد والرفض أما فيما يخص عقوبة الإعدام في وجهة النظر الإسلامي، فقد أثارت المداخلات مناقشات مثيرة وأن الموضوع يكتسي أهمية بالغة عند من يؤيد العقوبة ويدافع عنها دفاع المستميت ومن يعتبرها من الزمن الماضي، التي يجب الاستغناء عنها بالعقوبة المتمثلة في السجن المؤبد وهو الأمر الذي يرفضه الكثير من الفقهاء نظرا للتشريع الرباني الذي يجيزه في مواضع عدة. في هذا الإطار، يؤكد الدكتور إبراهيم أحمد عثمان، القاضي بالمحكمة العليا في السودان، أن تغير المجتمعات وتطورها أفرز وجهة نظر جديدة لهذه العقوبة، التي يرى البعض أنها تتنافى مع القيم الإنسانية، الأمر الذي أدى بالكثير من الدول إلى إلغائها نهائيا مستدلا -في هذا الشأن- بأن الشريعة الإسلامية حاولت ومازالت تعمل وتجتهد من أجل إيجاد مخرج للعاصي وإعطائه الفرصة للتوبة والرجوع إلى الله لأن غاية الشريعة ليست إيقاع العقوبة، بل تقويم المجرمين وإعادة انخراطهم في المجتمع من جديد، موضحا أن تشريع العقوبات على العموم كان من أجل الحفاظ على المقاصد الشرعية لأن عقوبة قتل المرتد هدفها حفظ الدين، أما عقوبة القصاص فهدفها حفظ النفس والنوع البشري وأما عقوبة الزنا فهدفها حفظ النسل ليخلص إلى أن عقوبة الإعدام أو أي عقوبة أخرى هدفها جلب المصلحة ودرء الفساد. في نفس الموضوع وتحت نفس العنوان المتعلق بالإعدام في النظر الإسلامي، يرى الشيخ أحمد بن سعود السيابي، أمين عام مكتب الإفتاء بسلطنة عمان، أن الحكمة من عقوبة الإعدام سواء كان حدا أو قصاصا هي إبقاء الحياة واستمرارها وإذهاب الغيظ وشفاء الصدور وكذلك صيانة المجتمع، إضافة إلى تحقيق التقوى لدى مختلف أفراد المجتمع الواحد وذلك رغم وجود الكثير من الخلاف -كما يقول الشيخ بن سعود السيابي- في الأحكام التفصيلية سواء على المستوى المذهبي أو العلماء داخل المذهب الواحد. غير أن الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين من المغرب يرى أنه يجب أن تتوفر الكثير من الأركان لتنفيذ حكم الإعدام، الذي تعرضت له كل الكتب السماوية، محاولا إبراز الفرق الموجود ما بين حكم الإعدام والقصاص، مستدلا في ذلك بالكثير من الآيات القرآنية الكريمة محاولا كذلك استظهار التشابه الكبير في عقوبة الإعدام وعقوبة القصاص ليطرح -بالمناسبة- أسئلة على الحاضرين في هذا المؤتمر حول إمكانيات الاستغناء عن عقوبة الإعدام حسب المفاهيم الغربية أو القصاص مثلما جاء في الشريعة الإسلامية. أما الأستاذ خليفة بابكر حسن، خبير القواعد الفقهية والأصولية بمنظمة التعاون الإسلامي، فقد حاول من جهته إظهار الجرائم التي تطبق فيها عقوبة الإعدام مع مقارنتها بالنصوص الموجودة في الشريعة الإسلامية مثل جرائم الاعتداء على الحياة والاعتداء على المصلحة العامة وحمل السلاح ضد الدولة في صفوف العدو والتجسس لصالح دولة أجنبية ضد الوطن الأم وتسهيل دخول العدو إلى البلاد وغيرها كثير.. وكذا موضوع تنفيذ حكم الإعدام من حيث الأدوات والوسائل مثل الشنق أو الرمي بالرصاص أو بالمقصلة أو بالكرسي الكهربائي أو داخل غرف الغاز أو الإعدام بالحقن وغيرها مع التأكيد على عقوبة الإعدام حدا أو قصاصا وفق الشروط التي وضعها الفقهاء انطلاقا من الشريعة الإسلامية. أما الشيخ عبد الله مبروك النجار عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي فقد أبراز دور عقوبة الإعدام في الإصلاح العقابي وجدواها في الواقع النظري والعملي واختلاف الرأي فيها بين مؤيد ورافض لها داع إلى إلغائها، مستدلا بالكثير من الأنظمة الوضعية المسهبة في توقيع عقوبة الإعدام إلى جانب افتقاد الدقة في تحديد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام إلى جانب افتقاد التعادل ما بين الجريمة والعقوبة. ويبقى السؤال الجوهري المطروح بحدة -يؤكد المحاضر- يتعلق بالضمانات العملية والفعلية في تطبيق عقوبة الإعدام في القوانين الوضعية وتطبيق عقوبة القصاص في التشريع الإسلامي مع التأكيد على شروطها من إسناد الجريمة وإقرارها. وهو الأمر نفسه الذي ذهب إليه الأستاذ حامد محمد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في تحليله لعقوبة الإعدام في التشريع الإسلامي في الكثير من الدول الإسلامية التي تنكرت للشريعة الإسلامية بعد مواكبة أنظمتها للقوانين الغربية وحصرت تطبيق الشريعة الإسلامية في نطاق ضيق جدا، مبرزا الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام في الفقه الإسلامي منها جريمة قتل النفس بغير حق، وجريمة الزنا من المحصن، وجريمة الحرابة التي تعني إظهار الفساد في الأرض، أي قطع الطريق علنا وسرقة الناس وإرهابهم، وجريمة الردة التي تعني الكفر بعد الإسلام، موضحا -بالمناسبة- أحكام تطبيق هذه العقوبة في الفقه الإسلامي. في نفس الموضوع، يرى الشيخ عبد القاهر محمد أحمد قمر مدير إدارة الفتوى والتشريعات المقارنة في العربية السعودية في مداخلته المتعلقة بتأييد المسلمين ومعارضة الغربيين لعقوبة الإعدام أن تبيين وجهات نظر كافة الأطراف المؤيدة والرافضة مع إظهار الأدلة والبراهين التي يقدمها كل طرف كدول الاتحاد الأوروبي التي تطالب بالإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام وما يثيره ذلك من إشكالات. وشرح المحاضر تشريع عقوبة الإعدام في الشريعة الإسلامية مع ذكر بعض المواقف من التطبيقات العملية لهذه العقوبة والاحترازات اللازمة لتفادي سوء تطبيقها كما جاء في مداخلة الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالقاهرة، الذي أكد في مداخلته أنه لا توجد هناك أقصى من عقوبة الإعدام لأنه -كما قال- مهما بلغت الغرامات المالية أو كثرت سنوات السجن فإنها لا تساوي شيئا في الشدة والقسوة التي تعرفها درجة إزهاق الروح البشرية. وخلص المتحدث إلى أن صورة تنفيذ حكم الإعدام بشعة ووحشية في كامل المجتمعات عبر العصور لأنها كانت وما زالت بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي للعقوبة التي ليست انتقاما ولا تشفيا ولا استمتاعا بتعذيب الإنسان وقتله وإعدامه منذ قديم الزمان إلى غرف الغاز الحالية التي تتميز بها أمريكا رائدة العالم في المجالات العلمية والتكنولوجية.