تعتزم الحكومة جعل ملف السكن من أولويات مخطط عملها خلال الفترة المتبقية من عمر البرنامج الرئاسي، وذلك لتمركز هذا الملف في محور الانشغالات المعبر عنها بإلحاح من قبل المواطنين من جهة، وتسجيل اختلالات ونقائص عديدة في تسيير هذا الملف، ولا سيما في جانبه المتعلق بالتوزيع، من جهة أخرى، الأمر الذي دفع بالوزير الأول إلى وصف أولوية التكفل به ب«أم المعارك". وتبين المكانة الخاصة التي يوليها مخطط عمل الحكومة لمجال السكن، ووضعه ضمن قمة هرم الأولويات المرتبطة بالتكفل بانشغالات المواطن وتحسين إطاره المعيشي، إدراك السلطات العليا في البلاد للخلل المسجل في تسيير هذا الملف الحساس الذي لم تتحقق أهدافه المرسومة في إطار البرنامج الخماسي للتنمية بالرغم من المجهودات الكبيرة المبذولة من قبل القطاع، سواء من حيث ضخامة المشاريع المعلنة أو الغلاف المالي المخصص له، والذي يعادل 3500 مليار دينار. وجاء تأكيد الوزير الأول السيد عبد المالك سلال أثناء عرضه مخطط حكومته على أن المشكل العويص المطروح في تسيير ملف السكن من قبل الدولة لا يكمن في الجانب المتعلق بالانجاز وبعث المشاريع، وإنما في العراقيل المسجلة في جانب التوزيع، ليوحي بأن الحكومة وضعت يدها على الجرح، واستطاعت تشخيص الداء المزمن الذي لا يزال يرهن جهود الدولة اللامتناهية في توفير السكنات، ويتسبب في استدامة حالة الفوضى المصحوبة بموجات الغضب الشعبي التي تثيرها عمليات توزيع السكنات العمومية الايجارية في معظم بلديات الوطن. وإدراكا منها لأهمية فك إحدى أهم القنابل المهددة للاستقرار الاجتماعي بفعل ما يترتب عن غياب الشفافية في التوزيع، فقد أدرجت الحكومة ضمن مخططها سلسلة من الإجراءات الإستراتيجية التي من شأنها تقويم الوضع والاستجابة بشكل أفضل لتطلعات المواطنين في هذا المجال وبالتالي فرض تحكم السلطات العمومية بصفة أفضل في تسيير هذا الملف. ولعل قرار إعادة إضفاء الروح على صيغة البيع بالايجار التي لاقت رواجا كبيرا عند بعثها في سنة 2001، وساهمت في استفادة عشرات الآلاف من الجزائريين من الطبقة المتوسطة من هذه السكنات منتصف العقد الجاري، يعد من أبرز القرارات التي اتخذتها الحكومة في هذا الإطار، حيث أعلن الوزير الاول في هذا الصدد عن برنامج جديد ب50 ألف وحدة سكنية من هذه الصيغة ستتكفل بتجسيده وتسييره وكالة تطوير وتحسين السكن "عدل"، مع استكمالها للتكفل ب15 ألف طلب تم إيداعها في إطار البرنامج الاول.كما سطرت الحكومة ضمن أولويات تسيير ملف السكن التسريع في توزيع السكنات العمومية الإيجازية التي انتهت بها أشغال الانجاز، والمقدر عددها بنحو 50 الف وحدة سكنية، سيتم توزيعها قبل نهاية العام الجاري، طبقا للتعليمات المنقولة من وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد دحو ولد قابلية لولاة الجمهورية، الذين دعاهم من خلالها إلى كسر حاجز الخوف من ردة الفعل العنيفة التي تصاحب عمليات التوزيع، رافضا التحجج بها لتعطيل العملية. وينتظر أن تتحرك الحكومة في اتجاه تحسين عملية التوزيع، ومراجعة الآليات المعتمدة في ذلك، حسبما تعهد به الوزير الأول أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، والذي برر سحب صلاحيات توزيع السكنات من المنتخبين المحليين وإسنادها إلى الإدارة ممثلة في رؤساء الدوائر، بحرص الحكومة على رفع الحرج والضغط عن رؤساء البلديات والمنتخبين، كما يرتقب أن تأخذ بعين الاعتبار الاقتراحات التي تقدم بها وزير السكن والعمران السيد عبد المجيد تبون خلال الاجتماع الذي جمع أعضاء الحكومة بالولاة بالعاصمة، والتي تجلت منها معالم استراتيجية جديدة ستعتمد عليها الدولة مستقبلا في تسيير ملف السكن. وتشمل هذه الإستراتيجية سلسلة من الإجراءات الإدراية والرقابية لتعزيز وسائل الدولة لإضفاء الشفافية التامة على عمليات توزيع السكنات، منها استكمال البطاقية الوطنية للاستفادات من السكن الإجتماعي، وتعميمها على المستوى المحلي، الاستعانة بالعقود الأولية للاستفادة من السكنات، تمكن السلطات العمومية من معاينة أحقية المستفيد من السكن قبل منحه العقد النهائي، إنجاز بطاقيات محلية للاستفادات من مساعدات الدولة في إطار دعم الحصول على سكن. وتفيد تطمينات الوزير الأول بأن جهود الحكومة لتجسيد الأولويات المسطرة في إطار المخطط المصادق عليه من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني الأسبوع الماضي، لن يثنيها عن مواصلة تنفيذ البرنامج الضخم المسطر برسم الخماسي 2010-2014 والمتضمن إنجاز قرابة 2,5 مليون وحدة سكنية، حيث أشار السيد سلال في هذا الصدد إلى أن الهدف الأولي الذي كان يتمثل في إنجاز مليون مسكن، سينتقل إلى 2,5 مليون وحدة سكنية، وذلك في إطار جهود التخفيف من الضغط الاجتماعي على السكن، والتي تتضمن إلى جانب إنجاز برامج جديدة للسكنات العمومية الإيجارية، تنمية الترقية العقارية العمومية في إطار وكالة "عدل" وكذا تشجيع الاستثمار العمومي والخاص في هذا القطاع وإسناد حصص من المشاريع للشركات الأجنبية، منها 100 ألف وحدة تشرف حاليا هذه الشركات على إنجازها. وكشفت الأرقام المقدمة من قبل الوزير الاول لإبراز أهمية الجهود التي بذلتها الدولة في مجال السكن، بأن الحظيرة الوطنية للسكن انتقلت من 5 ملايين و446 ألف و138 وحدة سكنية في 2000، إلى 7 ملايين و281 ألف و121 وحدة مع نهاية 2010، فيما يرتقب أن تصل إلى 8 ملايين و290 ألف و248 وحدة في آفاق 2014.