استحدثت أشغال الدورة العادية الأولى للحوار الاستراتيجي بين الجزائروالولاياتالمتحدة التي اختتمت، أول أمس، بواشنطن إطارا جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين، مع السعي لتحقيق نقلة قوية في مجموع المجالات، حيث ينتظر أن يقف الاجتماع القادم الذي ستحتضنه الجزائر خلال السنة القادمة 2013، عند ما سيتم تحقيقه ليشكل بالتالي مرحلة تقييمية لما تم إنجازه في شتى القطاعات. وكان الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل قد ترأس أشغال الدورة مناصفة مع نائب كاتبة الدولة الأمريكية المكلفة بالشؤون السياسية السيدة ويندي شيرمان. وذلك بمقر كتابة الدولة، حيث أوضح السيد مساهل لوكالة الأنباء الجزائرية، أن هذا الحوار الاستراتيجي هو "تتويج لإرادة مشتركة لدى الطرفين الأمريكي والجزائري بالنظر لكثافة العلاقات التي كانت تستدعي التنظيم والتأطير ومزيدا من التوضيح". كما أشار الى أن الاجتماع يمثل "لبنة تاريخية جديدة" في العلاقات بين البلدين، التي عرفت خلال السنوات الأخيرة "حيوية وأهمية، مما جعل تطويرها في اطار رسمي يفرض نفسه تلقائيا وذلك في الوقت الذي تتوسع فيه التهديدات وتتزايد فيه عوامل الشكوك عبر العالم". في هذا السياق، اغتنم السيد مساهل هذه الفرصة ليعرب عن "تنديد الجزائر الشديد" باغتيال السفير الامريكي وثلاثة أمريكيين اخرين خلال الهجوم على القنصلية الامريكية ببنغازي في شهر سبتمبر الاخير. كما ابرز في السياق أن "الاستفزازات غير المقبولة والتي تمس بالقيم المقدسة والمعتقدات لا يمكن أن تشكل مبررا للاعتداء على الممثليات الدبلوماسية او مصالح البلدان الاخرى". ودائما خلال حديثه عن المسائل التي تهدد السلم والأمن، أوضح السيد مساهل أن "الولاياتالمتحدة ستجد دائما في الجزائر شريكا فعالا وناجعا يمكنه الإسهام قدر المستطاع في تعزيز السلم في العالم". كما قدم الوزير في مداخلته عرضا وجيزا عن مسار الإصلاحات التي بادر بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ 15 افريل 2011 والتي جاءت لتعزز -كما قال- التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر خلال العقد الاخير. وبعد أن ذكر أن الولاياتالمتحدة تبقى أول شريك تجاري للجزائر بمبادلات قيمتها 17 مليار دولار سنة 2011، أشار السيد مساهل إلى أن هذا الاجتماع شكل فرصة لعرض الطاقات الجزائرية ومخطط الاستثمارات العمومية 2010-2014 و«تقديم صورة عن جزائر تعيش تحولا في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي". على صعيد آخر، أوضح الوزير أن اجتماع واشنطن سمح بالتطرق للظرف الدولي والإقليمي ولملف الساحل وأزمة مالي. إذ قدم الطرف الجزائري تصوره وعرض قراءته للائحة 2071 التي صادق عليها مجلس الأمن الأسبوع الماضي بخصوص مالي. وأضاف السيد مساهل قائلا "بخصوص هذه المسائل هناك تصور مشترك للبحث عن حل يضمن استقرار مالي ويحفظ وحدته الترابية مع القضاء على الإرهاب والجريمة المنظمة بكل الوسائل بما فيها اللجوء للقوة". وبعد الانتهاء من كلمته وفي مبادرة رمزية سلم السيد مساهل لمساعدة كاتبة الدولة الامريكية للشؤون السياسية السيدة واندي شرمن نسخة من معاهدة الصداقة التي وقعت بين الجزائروالولاياتالمتحدة في ال5 سبتمبر 1795. من جهتها، صرحت مساعدة كاتبة الدولة للشؤون السياسية السيدة ويندي شارمن، أن الحوار الاستراتيجي الجزائري-الأمريكي يعتبر "الأساس الذي نحاول أن نبني عليه علاقاتنا المستقبلية"، مؤكدة على ضرورة توسيع التعاون بين البلدين. ووجهت المسؤولة الأمريكية شكرها للسلطات الجزائرية لتعزيزها وبشكل سريع الترتيبات الأمنية بالسفارة الأمريكية في الجزائر والإجراءات المتخذة لحمايتها من أعمال عنف محتملة اثر بث فيلم معاد للإسلام على الانترنت. وترى مساعدة كاتبة الدولة للشؤون السياسية أن "أهمية العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالجزائر تجلت بكل وضوح وأكثر من أي وقت مضى خلال الشهر الفارط، عندما هددت الاعتداءات ضد مؤسساتنا الدبلوماسية في مصر وليبيا واليمن وتونس أمن مستخدمينا في الخارج وأدت إلى وفاة السفير كريس ستيفن وثلاثة من زملائه". وفي تطرقها إلى التعاون والآفاق الجديدة التي ترتسم في العلاقات بين البلدين أكدت السيدة شرمان، أن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالجزائر "تتجاوز المجال التقليدي للتعاون الأمني"، من خلال تعزيز ميادين الاستثمارات والتجارة والثقافة والتربية. وبخصوص التعاون الأمني أكدت أن الجهود المشتركة الجارية لمواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية المتطرفة "ستسهر على أن تبقى الجزائر والمنطقة مستقرتين وآمنتين يمكن للمواطنين التمتع فيهما بممارسة حقوقهم المدنية والسياسية والإنسانية بكل حرية، حيث يمكن للمؤسسات أن تشعر بالأمان على المدى البعيد". وفي حديثها عن فحوى الحوار الاستراتيجي، قالت مساعدة هيلاري كلينتن أن هذا الاجتماع الأول لم يخصص فقط لتناول الانجازات المشتركة مهما تعددت "لكن الأمر يتعلق بالتطرق إلى الأهداف والطموحات التي نواصل العمل من أجل تجسيدها وكذا إلى التحديات التي نواجهها في علاقاتنا". وأكدت في هذا الصدد أنه "على غرار رغبتنا الكبيرة في توسيع شراكتنا مع نظرائنا الجزائريين فإن المؤسسات الأمريكية ترغب هي الأخرى في توسيع استثماراتها في الاقتصاد الجزائري". مساهل يلتقي مستشار باراك اوباما لمكافحة الارهاب وعلى هامش مشاركته في اجتماع الحوار الاستراتيجي، أجرى السيد مساهل في البيت الأبيض محادثات مع مستشار الرئيس الأمريكي أوباما للأمن القومي ومكافحة الإرهاب السيد جون برينان. وقد تطرق اللقاء إضافة الى العلاقات الثنائية والشراكة بين الجزائروالولاياتالمتحدة إلى الوضع في منطقة الساحل وأزمة مالي السياسية والأمنية والإنسانية التي لا تعصف بهذا البلد فحسب وإنما ببلدان شبه المنطقة برمتها منذ عدة شهور. كما استقبل السيد مساهل من قبل خبراء في مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي في إطار مائدة مستديرة تم خلالها التطرق للعلاقات الثنائية الجزائرية-الأمريكية والإصلاحات في الجزائر والوضع في الساحل وفي مالي والوضع السائد في المغرب العربي وإشكالية التكامل المغاربي وقضية الصحراء الغربية.