كانت الأعراف ولا تزال، في بعض المجتمعات أساس تعاملاتهم إذ تنظم حياتهم، لذا فهم يرفضون تغيرها او الخروج عن قواعدها خوفا مما يسمى «بالتابعة أو الفأل السيئ «، حسب بعض المعتقدات الخرافية. ومن بين الأعراف التي تحكم منطقة تنس القديمة «ولاية الشلف» ما يسمى «بعرف سيدي معمر» الذي تحول إلى تقليد لا يعقد الزواج فيه إلا بتطبيق شروطه.فما هو عرف سيدي معمر وما قصته ؟ ولم تلتزم العائلات الشلفية بتطبيقه في أعراسها؟ التقت «المساء» بالسيد مروان زروقي الذي قدم من ولاية الشلف في إطار التظاهرة الثقافية التي نظمت مؤخرا بالأطلس بباب الوادي، حيث اشرف على إلقاء محاضرة عرف فيها بعادات وتقاليد الزواج بولاية تنس القديمة كما سرد للحضور قصة عرف سيدي معمر التي يجهلها الكثيرون. وعلى هامش التظاهرة حدثنا مروان المختص في الثقافة وآثار مدينة الشلف عن المقصود بعرف سيدي معمر، حيث قال «سيدي معمر لمن لا يعرفه هو شخص دخل رفقة أخيه من تونس الى الجزائر، بعدها تفرق الإخوة حيث اختار معمر التمركز بمدينة تنس القديمة بينما اختار أخوه العيش بمنطقة الشرق الجزائري. ويضيف محدثنا، معمر هو واحد من الأولياء الصالحين بمنطقة تنس القديمة بدأ دراسته عند الشيخ سيدي احمد بن علي بمنطقة لجلاف، وأكمل دراسته عند الشيخ سيدي معيزة بتنس القديمة، وعن بداية قصة عرف سيدي معمر التي أصبح بموجبها معمر مشهورا يقول محدثنا «بدأت القصة عندما غادر سيدي معمر مسجد سيدي معيزة بتنس متوجها نحو زاوية مجاجة للقاء معلمه الأول، ولدى دخوله الى منطقة حميس رأى رجلا وامرأة يتحابان ولما رأياه اختفيا عن الأنظار لشعورهما بالخجل والإحراج، وبعد ان دخل معمر الى القرية سأل عن أهل الرجل والمرأة اللذين رآهما فجاءه بهما أهل القرية وما كان من معمر إلا ان سألهما قائلا: هل أنتما متزوجان فأجاباه بالنفي ولدى استفساره عن السبب رد الرجل قائلا انه لا يملك مهر الفتاة فسأله معمر عن عمله فرد الرجل أنه يبيع الدوم «وهي المادة التي تصنع منها السلال» في الأسواق، فسأله معمر عن ثمنه فرد الرجل قائلا»أربعة دورو» وهي التي تعادل حبة لويز من فئة العشرين، يشرح محدثنا ويضيف، في تلك الأثناء طلب معمر من الرجل أن يقدم للفتاة حبة اللويز ويتزوجها، في هذه الأثناء ظهر ما يسمى بعرف سيدي معمر الذي مكن شخصين متحابين من الزواج ونتج عن ذلك ما يسمى بشروط عرف سيدي معمر الذي يتضمن الكبش و»المونة» وهو مقدار 100 كيلوغرام دقيق، قدر من الدهان، وحبة اللويز، وما يسمى بعمامة سيدي معمر التي تمثل رمز العرف على أن لا يزيد عن هذه الشروط، ويمنع على أهل البنت أن يزيدوا عن هذه الشروط أو يأكلوا أي شيء من عند أهل الزوج حتى يتزوجا. التزام سكان مدينة تنس القديمة بعرف سيدي معمر ذاع صيته في كل أرجاء ولاية الشلف وامتد الى مناطق أخرى على غرار شرشال، القليعة، وبوسماعيل، والبويرة التي نظمت مؤخرا احتفالية كبيرة أحيت بها عرف سيدي معمر، وجاء على لسان محدثنا ان تعود سكان مدينة تنس على العرف جعلهم يصرون على تطبيق شروطه في أعراسهم مخافة ما يسمى «بالتابعة» التي حدثنا عنها مروان قائلا: «يشعر سكان مدينة تنس بالالتزام المعنوي اتجاه عرف سيدي معمر غير ان بعض العائلات اليوم تزيد عن الشروط التي سبق وان قلنا انه لا يجوز ان يزيد عليها، والنتيجة ان من يزيد عن تلك الشروط يقال ان العروس تلحق بها «التابعة» في عرسها او نفاسها، وهو ما وقفنا عليه بالفعل. ولتكفر العروس التي زادت عن شروط سيدي معمر بالخروج من بيت أبيها مكشوفة الوجه حافية القدمين ترافقها سيدة عجوز يطرقان أبواب سكان المدينة ويطلبون الحصول على المونة التي تلتزم العروس بتقديمها الى خادمة سيدي معمر لترد كما يقال الاعتبار لسيدي معمر. يختم مروان قصة عرف سيدي معمر قائلا «بمجرد ان وصل معمر الى مجاجة قص على معلمه الشيخ سيدي أمحمد بن علي الحادثة التي وقعت، وكيف تصرف معها فما كان من معلمه إلا ان قال له «أحسنت يا معمر ما فعلت، ولدى عودته الى تنس القديمة للقاء معلمه بمسجد الشيخ سيدي معيزة أثنى هو الآخر على تصرفه وخاطبه بالقول أحسن ما فعلت. وفي رده عن سؤالنا حول المقصود بعبارة سيدي معمر بومكحلة رد السيد مروان عن سؤالنا بالقول انه يروى عن قصة تحرير معمر مما سمعناه من السلف انه حدث يوما ان طلب الشيخ سيدي معيزة من معمر ان يأتي له بالرمان من البستان الذي كان يحيط بالمسجد، فما كان من معمر إلا ان قصد البستان وقطف له حبة رمان ولدى تذوقها رأى الشيخ معيزة أنها حامضة المذاق، فطلب اليه ان يأتيه بحبة أخرى ففعل وكانت هي الأخرى حامضة المذاق، في تلك الأثناء فكر الشيخ معيزة مع نفسه وقال: ألا يعرف معمر ان كل حبات الرمان بنفس المذاق؟ ثم أجاب عن تساؤله بالقول :هذا يعني ان معمر لم يتذوق في حياته أي فاكهة من البستان وهذا دليل أمانته، وفي تلك الأثناء حرر الشيخ معيزة معمر وقال «اذهب الشيخ لا يعلم الشيخ» وفي المقابل قدم له آلة «القصبة» وبداخلها حبات من اللويز وبعد ان غادر معمر المسجد قرر أن ينفخ بالقصبة فإذا بالبارود يخرج منها ومن هنا لقب معمر بسيدي معمر بو مكحلة.