قرار محكمة العدل الأوروبية خطوة جديدة في كفاح الشعب الصحراوي من أجل الحرية والاستقلال    رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة المراعاة البالغة لمسألة الأمن السيبيرياني    بجاية: مشاركة 9 فرق أجنبية في الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للمسرح    رئيس الجمهورية يشدد على وجوب تطابق برامج المدارس الخاصة مع البرنامج الوطني للتربية الوطنية    رئيس الجمهورية يأمر بمتابعة حثيثة للوضعية الوبائية في الولايات الحدودية بأقصى الجنوب    رئيس الجمهورية يأمر برفع قيمة المنحة السياحية ومنحتي الحج والطلبة    العدوان الصهيوني على غزة: 175 شهيدا في صفوف الاعلاميين    الجائزة الدولية الكبرى لانغولا: فوز أسامة عبد الله ميموني    سياحة صحراوية: الديوان الوطني الجزائري للسياحة يطلق حملة لترقية وجهة الساورة    خلال تصفيات "كان" 2025 : بيتكوفيتش يسعى لتحقيق 3 أهداف في مباراتي توغو    التوقيع على اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة غليزان والوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية    الجزائر تعرب عن قلقها العميق    ما حقيقة توقيف إيمان خليف؟    السيتي: محرز ساحر العرب    أوّل لقاء إعلامي للرئيس في العهدة الثانية    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة    افتتاح مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    دعم عربي لغوتيريش    إسقاط التطبيع واجب حتمي على كل الشعب    أسئلة سيواجهها المجتمع الدولي بعد أن ينقشع غبار الحرب    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    المجلس الشعبي الوطني عضو ملاحظ دائم لدى برلمان عموم أمريكا اللاتينية والكاريبي "البرلاتينو"    رئيس الجمهورية: متمسكون بالسياسة الاجتماعية للدولة    انضمام الكونفدرالية الوطنية لأرباب العمل الجزائريين لمجلس التجديد الاقتصادي الجزائري    هادف : اللقاء الدوري لرئيس الجمهورية مع الصحافة حمل رؤية ومشروع مجتمعي للوصول إلى مصاف الدول الناشئة في غضون سنة 2030    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    أوبك: توقعات بزيادة الطلب العالمي على الطاقة ب 24 بالمائة بحلول 2050    الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي السنة القادمة    تونس: انطلاق عملية التصويت للانتخابات الرئاسية    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر تواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    الكشف عن قميص "الخضر" الجديد    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    استئناف نشاط محطة الحامة    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراث من زمن الديوان والأهليل
التزام بجودة اللحن والأداء
نشر في المساء يوم 11 - 12 - 2012

سلطت أول أمس بالمعهد العالي للموسيقى الأضواء على تراثنا الغنائي الشعبي، كاشفة أسرار “الديوان” و"الأهليل” اللّذين تجاوزت سمعتهما الحدود، حيث قدم باحثان مختصان في هذا المجال، خلاصة أبحاثهما العلمية،معتمدين على أصالة هذا الفن بعيدا عن أية تغيرات طرأت على الديوان والأهليل.
أول محاضرة قدمها الباحث الجزائري بن يعقوب عز الدين، تناول فيها فن «الديوان» في الجزائر ضمن سياق تاريخي يرجع إلى موجات هجرة السود إلى شمال إفريقيا، والتي غالبا ما كانت في إطار العبودية، حيث حملوا معهم منذ القرن ال14ميلادي، تراث بلادهم التي كانت يسميها العرب؛ بلاد السودان، والتي هي الآن تمثل النيجر، مالي، شمال نيجيريا وحتى بوركينا فاسو.
وكغيرهم من العبيد الذين هجروا إلى شمال إفريقيا، ثم إلى أمريكا (حوالي 35 مليون شخص) استبد بهؤلاء الحنين إلى إفريقيا، فقدموا أجمل الروائع الموسيقية والفنية.
يتميز «الديوان» الذي هو فن إفريقي بمحتواه الديني (إسلام أو ديانات إفريقية منها الاسنا) و«الديوان” كلمة ليست عربية، بل إفريقية مشتقة من لغة الحوصة التي لاتزال موجودة في بعض مناطق الساحل الإفريقي، فن الديوان معروف في الجزائر باسمه الأصلي، وفي المغرب ب«الڤناوة»، في تونس والمغرب «اسطمبالي» وفي مصر ب «الزار».
راج الديوان فنيا في الجزائر مع بداية القرن ال 20 ، ب 7 ديار (أي 7 ليالي)، منها الرابوعا والبرنو والكاتشنا والزورو، والدار بدورها ليست كلمة عربية بل من لغة الحوصة، وتعني ليلة تؤدى فيها طقوس هذا الغناء الاحتفالي.
أشار المحاضر إلى أن مجال بحثه دفعه لتعلم لغة الحوصة، علما أن بعض الباحثين وضعوا لها معاجم؛ كمعجم الفرنسي جون ماري لوغو، ثم الإنجليزي بارجوري.
للإشارة، فإن فن الديوان هو نفسه فن الفودو بأمريكا اللاتينية، إذ أن المصدر واحد، وهو إفريقيا التي حمل أبناؤها فنها معهم في رحلات الهجرة والمنفى.
فودو يعني (4) ويعني «الأربعاء»، وهو اليوم المقدس في الفودو، ويتم فيها الاحتفالات دون سائر الأيام، والديوان أيضا أبراج أشهرها؛ برج بوري وجونغاري ماما والبراني.
سيدة الديوان هي آلة الڤومبري، وهي آلة مقدسة يعزفها المعلم أو المرشد، وتكون الأبراج بمثابة لوحات كوريغرافية في العرض، إضافة إلى حضور الشاوش (بمثابة ريجيسور)، وكذا المقدم والذبيحة (ثور)، ليقدم بعدها برنامج الاختتام.
في الديوان ما يعرف بالمحلّة، وهي فرقة تختص فقط في نوع من الديوان، ويضم كلمات إفريقية لايفهمها المؤدون أنفسهم، لكن لها بعدها التاريخي أو الأسطوري، انتشر الديوان بأبراجه في كل ربوع الجزائر، فمثلا برج البراني تسمية تركية وتعبر عن آلام الأفارقة إبان الحكم العثماني، حيث كان العمال منهم لا يُسمح لهم بالمبيت أو الإقامة بالعاصمة بعد الغروب، إضافة إلى الإختلافات الدينية السائدة حينها، حيث نظر إلى هذا الفن نظرة دونية وكفرت طقوسه.
من بين الكلمات التي تعود بكثرة في نصوص الديوان؛ «ناري» وهي كلمة من الحوصة، تعني البنت التى تولد يوم الأربعاء، وكذا اسم القايد “بابا اينوا” وغيرها.
من جهة أخرى، أوضح المحاضر أن الڤناوة مشتقة من كوني، وهي منطقة تقع بالنيجر، أهلها يسمون كناوة (أو ڤناوة).
أما الڤومبري، فيعني رمز التضحية المتمثلة في الثور، والذي يؤدى في الدردبة (طقوس الذبح أو التضحية) وفي التبرعات والوعدة، كما أن الڤومبري آلة مقدسة تحفظ في مكان خاص ولاتتداول عند العامة، وتورث. علما أن “ڤومبري” زمان هو غير ذلك الموجود حاليا، فلقد كانت تصنع أوتاره من مصارين الثور المذبوح.
المحاضرة الثانية التي تضمنها هذا اللقاء المنعقد ضمن فعاليات المهرجان الثقافي الدولي الرابع للموسيقى السمفونية، نشطها الباحث الفرنسي بيار أوجيي، وكانت عن موضوع «اكتشاف الأهليل بالڤرارة» وفيها تعرض إلى تجربته الخاصة مع البحث العلمي في الجزائر منذ سنة 1963، عندما اشتغل مؤطرا موسيقيا بثانوية ابن باديس بوهران، حيث حاول نشر ثقافة ومبادئ الموسيقى الكلاسيكية، لينسق بعدها مع مديري التربية ومع كونسرفاتوار وهران الذي اشتغل فيه شباب أكفاء يعزفون على مختلف الآلات، ويؤدون مقاطع كلاسيكية جميلة، إلا أنه كان غير راض (أي بيار) عن الأداء حين يتعلق الأمر بالموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، فلقد كان جافا وجامدا خاصة من حيث الريتم، هذا الإحساس دفعه إلى الغوص في الموسيقى العلمية العربية، فقرأ نصوصا مترجمة وجدها في مكتبة الثانوية خاصة الفارابي وصفي الدين، وبالتالي كان على هؤلاء العازفين الشباب أن يستغلوا هذا العلم لنهضة تراثهم. إهتمام بيار بالموسيقى العربية، إزداد بعد التحاقه بمركز البحث بالباردو الخاص بتاريخ الإنسان والحضارة، وبتشجيع من مديره الراحل مولود معمري، حيث التحق بمخبر الإثنيات الموسيقية سنة 1967، واشتغل على موسيقى الجنوب، خاصة التوارق، مركزا على آلة الأمزاد، علما أن الأبحاث بدأت قبلها بعشرات السنوات.
أما علاقته بالأهليل، فكانت بالصدفة عندما طلبت مشرفة على متحف بلندن (جيت جانكيز) معلومات عن موسيقى صحراء الجزائر، حيث زارت الجزائر وتعاونت مع بيار ومعمري، وتم اختيار متليلي، ثم غرداية، وتمت بعض التسجيلات، لكن أحد المرشدين السياحيين الجزائريين دعا الفريق العلمي إلى أدرار وتيميمون بعدما أسمعه تسجيلات رائعة لفن عريق، وبالفعل تم اكتشاف الأهليل، لتتوالى الأبحاث مع بداية السبعينات مع معمري وغيره، ثم السيدة سلال. ارتبط بيار بالأهليل الذي كان يقدم خصيصا له لتكريمه، وهو فن يؤدي ليلا ويبلغ أوج إبداعه في مناسبة “السبوع” التي يحضرها الآلاف.
وللإشارة، كان مصدر بيار صديقه مولاي سليمان، والذي يبقى على صلة به إلى اليوم، وهكذا وبعد سليلة أبحاث، سجل شريط للأهليل الأصلي، أرسلت نسخة مسجلة منه إلى اليونسكو، فيما وزعت بعدها بالجزائر وفرنسا (إنتاج غير تجاري).
الأهليل حلقة غنائية بداخلها المغني (بشنيو)، يحوطها المؤدون الراقصون ببطء (نساء ورجال)، يواصلون الدوران حول المغني، وأحيانا يرافق المغني داخل الحلقة عازف ناي أو طبّال أو يخرج المغني من الحلقة، ثم يعود إليها بشكل فني راق ومدروس، علما أن بعض هذه التفاصيل لم تعد موجودة في أداء اليوم (غياب المرأة والناي مثلا).
للتذكير، فقد توسعت المناقشة إلى جوانب أخرى خاصة بهذا التراث، منها الجانب الإجتماعي، حيث ذكر الأستاذ عز الدين أجواء احتفالات الديوان واختلافها من الغرب إلى الشرق، إذ يتزامن مثلا الديوان احتفالات الفول، لذلك يجعل من الفول وجبة رئيسية مع الكسكسي في عنابة طيلة أيام الاحتفال، أو مثلا في مناطق أخرى “بقصعة القمح” رمز الاحتفال، إضافة إلى بعض المعتقدات، إذ كانت العائلات في بعض مناطق الغرب كوهران، تسمى أحد أبنائها المبيوع الذي يوهب لفرقة الديوان لتحميه من الحسد والمرض الفتاك (منذ عشرات السنين)، وكانت فرقة الديوان تجعل بالصغير شامة لحمايته، ثم يرد إلى عائلته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.