ندوة غنية بالنقاش، هو العنوان الأبرز للحدث الذي شهدته دار الثقافة بمدينة بشار، صباح أمس، حيث حضر البعد الأكاديمي الأنثربولوجي في محاضرتين قدمهما كل من الأستاذ بجامعة وهران محمد بلخادم عن ''الديوان في منطقة وهران''، والدكتور منصور مرقومة من جامعة مستغانم الذي قدم محاضرة عن ''آليات البحث الانثربولوجي في التراث''. كما شهدت الندوة عرضا لفيلم وثائقي عن طقوس موسيقى الديوان للمخرج العربي لكحل. بلخادم في رحلة الديوان المحاضرة التي وصفها الأستاذ محمد بلخادم بالناتجة عن ملاحظات ومعايشة لديوانيي وهران، تستمد نتائجها من تتبع لخطوات ديوان أولاد سيدي بلال الضارب في العراقة، وبالصور عرض المحاضر ''الطحطاحة''، أو الساحة الكبرى التي كانت محجوزة للتظاهرات في بداية القرن العشرين، وبتحليله لأصول الديوان، توصل بلخادم إلى اعتبارها كلمة ذات أصل تركي مشتقة من ''ديفان''، التي تعني المجلس والمكتب. وبالرجوع إلى الديوان الوهراني، وصفه بلخادم بصاحب المشارب الكثيرة التي جعلته غنيا بالأبراج الموسيقية، التي يصل عددها إلى 400 برج. والديوان بشكل عام يستجدي في حلقاته الإله والنبي والأولياء الصالحين، للتخلص من العلل والأسقام، حيث تبدأ الليلة بالدردبة، التي لها غرض جذب الجمهور إلى الديوان، ثم تذبح الأضحية القربان، التي يفضل أن تكون ثورا، وحين لا يتوفر يذبح ما هو أقل منه. التركيبة الإثنية للديوان فصل بلخادم ما رآه تنوعا في التركبيات الإثنية للديوان، حيث يسمون ب ''الفلان'' أولئك الذين يسكنون مالي ونيجر، و''البلالي'' في الجزائر، أما في ليبيا فيطلق عليهم اسم ''سطمباني''، وفي تونس يسمون بال ''سطمبالي''، أما ''الحوسة'' فنجدهم بين نيجر ونيجيريا. هذا، وقد تطرق المحاضر إلى اختلاط الاثنيات بسبب التهجير والاستعباد الذي مس الكثير من ساكني الصحراء، حيث كانت مدينة ورقلة مركزا لتوزيع العبيد على مدن الشمال، باتجاه سنجاسة والقنادسة، وصولا إلى العاصمة مرورا بغرداية. المنهجية الأنثربولوجية في دراسة التراث قال د. منصور مرقومة في محاضرته التي عنونها ب ''دور الدراسات الانثربولوجية في تطوير التراث اللامادي، الديوان مثالا'': ''إن العمل الانثربولوجي يجب أن يقوم على الدراسات الميدانية، ويحب ألا يكتفي بالوثائق، لنقوم بعملية الوصف والتحليل والمقارنة''، وذهب إلى اعتبار أن البحث السليم يجب أن يكون بالاستقرار والألفة مع الشريحة المدروسة، والكلام المباشر مع الناس من مقابلات وحوارات عميقة. للديوان خصائصه ومنهجيته ذهب د. مرقومة إلى أهمية تحري الدقة، وتكييف المناهج النقدية مع نوعية الظواهر المدروسة، حيث اعتبر أن دراسة الديوان يجب أن تشمل عدة نقاط، منها وصف اللباس والحركات والآلات وكل ما يستعمل في الحضرة. الاهتمام بالرمزية التي تمكن من فهم ما الذي تعنيه هذه الحركات، والتركيز على الكلمات والإشارات وما تخفيها من معاني. دراسة بنية الظاهرة الاجتماعية، والمتمثلة في علاقة جزئيات الظاهرة مع بعضها البعض، كعلاقة الكلمات مع اللحن، وعلاقة اللباس مع طريقة الحركة، وكذلك علاقتها مثلا بالجانب الديني، الموسيقي، الحرفي... كما شدد المحاضر على ضرورة عدم إصدار أحكام قيمية، والالتزام بالأمانة العلمية والموضوعية عند دراسة الديوان، حيث يرى د. مرقومة أن نقل الانشغالات ومشاكل الفنانين كما هي الطريقة الأمثل لتطور الديوان بالقول إنه ''مهما وصل الباحث إلى درجة من التخصص لا يستطيع أن يكون بمستوى الممارس''. السينما أداة للتوثيق والأرشفة في ختام مداخلته قدم د. مرقومة مجموعة من التوصيات أهمها تظافر الجهود بين مختلف الأطراف الفاعلة، خاصة المشتغلين في مجالي الصحافة والسياحة من أجل الترويج لموسيقى الديوان، كما تحدث عن أهمية السينما في التوثيق والأرشفة. وبهذا الصدد تم عرض فيلم وثائقي للمخرج العربي لكحل عن طقوس الديوان، قدم فيه المخرج عرضا لإقامة طقوس الليلة، بداية من تحضير ''المعلم'' للأدوات اللازمة لإقامة ''الدردبة''، وصولا إلى اختياره للأغنية المناسبة التي توصل مريد الديوان إلى ما يسمى ب ''الحالة''. وفي حين أن الوثائقي الأصلي مدته 52 دقيقة، فقد تم تحجيمه إلى 20 دقيقة بطلب من إدارة المهرجان لأسباب تنظيمية، الأمر الذي أثّر على متابعة الفيلم بصورة جيدة، خاصة مع الأعطاب التقنية المتكررة للصوت.