أجزم قاطعا أني كنت يقظا وفي كامل وعيي، عندما رأيت القمر ينشق نصفين؛ نصف أعلى، ونصف أسفل، ثم أخذ النصفان يتباعدان، أحدهما إلى الأعلى والثاني إلى الأسفل، وشكل كل منها هلالا وبات عندنا هلالان اثنان، وصاح الخلق صيحة واحدة؛ “سبحان الله”، ثم هلل البعض وحولق البعض.. منهم المستبشر، ومنهم الواجم الحائر.. اغتبط البعض لهذه الظاهرة، قال أحدهم: أبشروا رحمكم الله، سنصير أمة بهلالين، وسوف نصوم رمضانين، وفي أعلى كل مئذنة هلالان.. سوف تتعدد الأفراح وتكثر المناسبات، والعطل الدينية، وتتنافس الأمة في مظاهر الابتهاج، ولعل الأمة تصير بعد هذا أمما وشعوبا، ثم قبائل، وأسرا، وسوف تتزاور فيما بينها، ويعم الخير والتراحم.. كبر حجم الهلالين بصورة مذهلة، واشتد خوف البعض، وحيرة البعض، لكن جل الناس واجمون، لا يقوى أحد على الإفصاح عما يجول بداخله، وكأن صدمة الظاهرة أبكمتهم وعطلت تفكيرهم وألسنتهم. انتصبت مئذنة في لمح البصر أمامنا، وشاهدنا مؤذنين يصعدان معا مسرعين إلى قمتها، ثم اتجه أحدهما شرقا والثاني غربا، وراحا يؤذنان في آن واحد، وكان الوقت بين المغرب والعشاء، فما درى الناس الواجمون لأي وقت يؤذن هذان المؤذنان.. قال أحد الوقورين؛ هذه بدعة، وقال آخر؛ بدعة مستحسنة، وقال ثالث؛ هذه حرية.. ثم تدخلت مجموعة من الشباب لا أحد منهم يشبه الآخر، هذه قمة الديمقراطية، هذه آية من .. ثم .. ولم يخلصني من هذا الحلم إلا شرقة كادت تخنقني، فوحدت الله، وتضرعت له بالدعاء.