هكذا يرحلون بعد هذا الثراء النضالي الذي أنفقوه من حياتهم ودمائهم من أجل الجزائر، قامات لم تطاولها إلا قمم جبالنا التي كانت صهوة لجهادهم ومركبا يحط بهم في محطات الاستشهاد أو الكبرياء، يرحل اليوم جبل آخر من جبال الثورة وحصونها القوية التي تحصنت بها في سنوات النضال والجهاد، إنه الأستاذ عمار بن تومي الذي التحق برعيله، واستأنس بسربه وجيله. الرجل علم من معالم النضال والثورة وإن كنا لا نعرف عنه إلا النزر، فإن رجالات الثورة يشهدون له بهذه الحصانة الثورية التي تحصن بها وتحصنت به فكان درعها وصدرها الذي واجهت به المستعمر الفرنسي، فكانت حياته مشرقة بالنضال والدفاع عن الوطن، فهذا الرجل الفذ الذي تطيبت بميلاده سنة 1923 لتجعل منه إشارة لمنعرج فيه من الخطورة إلى حد الموت وفيه من الأمل إلى حد الخلود في الحياة، في هذه السنة ولد الأستاذ بن تومي عمار بمدينة الصمود والصبر قسنطينة، حيث قضى طفولته فيها ومن ثم يلتحق مناضلا بالكشافة الإسلامية سنة 1941، ومن هذه المدرسة ارتوى بري الوطنية وآمن بها الإيمان الكلي مناضلا ومتظاهرات في المسيرات الداعية للحرية والاستقلال، حيث يتم اعتقاله في شهر سبتمبر من سنة 1943 في أول مظاهرة سياسية. ولأنه من الرعيل الأول للمناضلين، اختار القانون من أجل إحقاق الحق وإنصار العدل فالتحق بسلك العدالة حيث أدى اليمين للدفاع عن الحقوق بتاريخ10/07/1947، ليختاره بعد ذلك حزب الشعب الجزائري محاميا رسميا يدافع عن مناضليه فكان نعم المحامي الذي دافع عن رجالات المنظمة الخاصة "L.O.S" وعين في سنة 1948 الأمين المساعد مع المرحوم سعد دحلب للجنة مساندة ضحايا القمع الاستعماري. لم يتوقف هذا الرجل القامة عن النضال ليستنأنف نضاله إبان انفجار الثورة التحريرة المباركة وبطلب من المرحوم رابح بيطاط "سي مصطفى" لينصب محاميا لجبهة التحرير الوطني، ليتم اعتقاله في فيفري سنة1957 ويسجن لمدة سنتين، وبعد خروجه من السجن يلتحق بالحكومة المؤقتة سنة 1959، حيث يتم تكليفه بمهمة التنظيم وتكوين الضباط لاسيما شبكة المعلومات. وعندما تنتصر الثورة وتسترجع سيادة الدولة الجزائرية يعين الأستاذ عمار بن تومي أول وزير للعدل في الجمهورية الجزائرية المستقلة سنة 1962، ثم يتم سجنه سنة 1963 في معتقل بأدرار رفقة الرئيس فرحات عباس، وبعد الافراج عنه يعين نقيبا للمحامين الجزائريين من 1967 إلى سنة 1975 . كما تبوأ منصب نائب رئيس اتحاد المحامين العرب ثم رئيسا للاتحاد الدولي للقانونيين الديمقراطيين، كما كان عضوا في لجنة الدفاع ومساندة الثورة الفلسطينية ودافع عن مجمل الثوار الفلسطينيين. الأستاذ عمار بن تومي الذي توفاه الله إليه يوم الجمعة ونقل جثمانه يوم أمس السبت إلى قصر العدالة بعبان رمضان، حيث ترحم عليه رجالات العدالة ورفقاء النضال والجهاد ونقل بعدها إلى مقبرة سيدي محمد ببوزريعة حيث ووري الثرى بحضور أفراد أسرته وأصدقائه وزملائه وشخصيات الحركة الوطنية وأعضاء من الحكومة.
شهادتان ورجل في صحن محكمة عبان رمضان، حيث وضع جثمان الأستاذ عمار بن تومي لالقاء النظرة عليه من الحشود التي توافدت على المحكمة حيث ترحمت على الراحل ودعت له بالرحمة والمغفرة وحسن الجزاء، تقربت "المساء" من الأستاذ زهير احدادن الذي قال: "إن عمار بن تومي هو من الجيل الأول ومن المحامين الذين تكونوا في عهد الاستعمار ومنذ أن تخرج جند نفسه للدفاع عن مناضلي الحركة الوطنية، كما كان محاميا لكل من كان له مشكل مع سلطات الاحتلال، مدافعا عن المناضلين وعن أعضاء المنظمة الخاصة، كما أنه كان مستشارا للحزب نظرا لخطورة القضية". ويضيف الأستاذ زهير إحدادن قائلا: "وعند اندلاع الثورة كان من الأوائل الذين دافعوا عن مناضلي الثورة وكون جمعية المحامين المكلفين بالدفاع عن المناضلين وجبهة التحرير، كما أنه كان إنسانا مخلصا لوطنه وشعبه وله مواقف شجاعة إبان الثورة وحتى إبان الاستقلال مدافعا عن الحق". أما نقيب المحامين الجزائريين، الأستاذ سليني عبد المجيد، فقال إن المرحوم "كان من المناضلين الأوائل محاميا لحزب الشعب والمنظمة الخاصة، وإبان الثورة حيث ألقي عليه القبض وعلى علي بومنجل فقتل علي بومنجل وسجن عمار بن تومي، وعند إطلاق سراحه ذهب إلى تونس وكلف بتكوين الضباط، ثم أصبح بعد الاستقلال أول وزير للعدل في الجزائر، وأدخل السجن بسبب مواقفه، ثم بعد خروجه من السجن انتخب نقيبا للمحامين، كما كان رحمه الله من المدافعين عن الثوار الفلسطينيين في المحافل الدولية ومناضلا عن مبادئ الحرية والعدل". وأضاف نقيب المحامين أن الجزائر فقدت في هذا الرجل العملاق الذي جعل نصب عينيه الوفاء لعهد الشهداء، رجلا كان يحمل الجزائر وقضية الجزائر، وقد زرع فينا المواقف الشجاعة والدفاع عن المبادئ، كما كان هو يخدم في وفاء لكل ما هو إيجابي، عرفناه على الاستقامة ودوام المقاومة والدفاع، -وأنا- آمل أن نكون في مستوى تبليغ رسالته وكل ما يخدم الصالح الوطني. ومن جهته، عزى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب السيد عمر زين في برقية نعي للأمة العربية ونقابات المحامين العرب، عائلة المناضل والقائد الكبير الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب، الراحل عمار بن تومي.