أصبح التداوي بالأعشاب الطبية في معالجة مختلف الأمراض، ظاهرة جد منتشرة بالبليدة في السنوات الأخيرة، حيث تشهد المحلات التي تقترح هذه المواد إقبالا كبيرا من طرف الزبائن. وقد أدى الاهتمام المتزايد لسكان المدينة بهذا النوع من التداوي، إلى بروز عدد كبير من المحلات المختصة بمواقع مختلفة، إذ لجأ العديد من التجار إلى ممارسة هذا النشاط المدر للأرباح. بعض هذه المحلات يعرف صعوبة في التحرك، نتيجة العدد الهام للزبائن الذين يبحث كل واحد منهم عن «الدواء العجيب» الذي يخلصه من المرض الذي يعاني منه. وفي هذا الإطار، أفاد بائعو الأعشاب الطبية الذين ينشطون بأحياء «باب السبت»، «باب الدزاير» و»باب الرحبة»، أن محلاتهم لا تستقطب الأشخاص المسنين فحسب، بل زبائن من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية، مضيفين أن التداوي بواسطة الأعشاب الطبية «أصبح تقليدا راسخا بالبليدة». ويقوم هؤلاء الباعة بدور «الأطباء»، من خلال تقديم النصائح حول كيفية تحضير واستعمال الأعشاب الطبية للمواطنين الذين يبحثون عن العلاج، دون اللجوء إلى الطب المعهود أو استعمال المواد الصيدلانية. ويلاحظ عرض مختلف أنواع الأعشاب الطبية بالمحلات التي يجتهد التجار في ذكر مزاياها العلاجية، بغرض إقناع العدد المتزايد للزبائن، مؤكدين أنهم يسهرون على توجيههم ومساعدتهم على اختيار الأعشاب المناسبة للتداوي من أمراض معينة. ونظرا لإقبال المواطنين الكبير على هذه المحلات في السنوات الأخيرة، فإن تجار الأعشاب الطبية اضطروا لتوظيف مساعدين لمواجهة الطلب المتزايد، مشيرين إلى أنه «منذ سنوات، كان يكفي بائع واحد لتسيير المحل، إلا أن الأمر أصبح يستدعي في الآونة الأخيرة الاستعانة بثلاثة أو أربعة أشخاص، مما يسمح بتقليص نسبة البطالة»، على حد تعبيرهم.
الأعشاب الطبية لتجنب استعمال المواد الكيماوية ويرى المواطنون الذين يعالجون بواسطة الأعشاب الطبية، أن هذه الأخيرة تشكل العلاج المناسب لعدة أمراض، مؤكدين أن هذه الأعشاب ليست لها أعراض جانبية، على عكس المواد الصيدلانية. وفي هذا السياق، صرح هواة التداوي بالأعشاب، أن معالجة مختلف الأمراض بواسطة الأعشاب الطبية لا تكون مما أية انعكاسات سيئة على الصحة، باعتبار أن كل ما هو طبيعي مفيد للصحة، فالأجداد غالبا ما كانوا يستعملون الأعشاب للحفاظ على صحة جيدة. ولا يتردد بعض المواطنين في شراء خليط من الأعشاب والأدوية، غالبا ما تكون باهظة الثمن مقارنة بالمواد الصيدلانية، فالمواد المستوردة من آسيا وبلدان الخليج أو من الشرق الأوسط، رغم أنها مكلفة، إلا أنها تروج بسهولة، على حد قول صاحب محل متخصص يوجد ب «باب الدزاير». كما أن معظم هواة التداوي بالأعشاب الطبية يعتمدون على الأخبار المتداولة بين الناس بشأن نجاعة هذه العشبة أو تلك لعلاج مرض معين، دون الاعتماد على أي مفهوم علمي. وغالبا ما يقدم أصحاب المحلات أدلة دينية لها علاقة باستعمال الأعشاب الطبية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، لإقناع الزبائن.
في حي «بني تامو» سكنات تتحول إلى... عيادات! وبمنطقة بني تامو، قام العديد من المعالجين بواسطة الأعشاب الطبية، بتحويل سكناتهم إلى «عيادات» يتردد عليها عدد كبير من المواطنين، كما لوحظ في عين المكان، حيث أن المركبات المركونة بالقرب من هذه «العيادات» تحمل لوحات ترقيم من مختلف ولايات الوسط، على غرار تيبازة، بومرداس، الجزائر العاصمة، الشلف، البليدة وغيرها، مما يدل على مدى انتشار ظاهرة التداوي بالأعشاب الطبية في أوساط المواطنين. ويبدو أن التنافس ليس من انشغالات مقدمي العلاج، بالنظر إلى الاهتمام الذي يوليه السكان لهذا النوع من النشاط، حيث ذكر عامل بمقهى يتواجد بوسط حي «بني تامو»، أنه لا يمر يوم إلا ويتقدم مواطنون للبحث عن مقدمي العلاج والاستفسار عن عناوينهم. وقد صرح مواطنون من مختلف الأعمار، أنهم يفضلون استعمال الأعشاب الطبية التي تأكدت فعاليتها في معالجة بعض الأمراض، بدل الانتظار بالمستشفيات في طوابير طويلة.
مجلس الأطباء يحذر من الشعوذة ومن جهته، أكد رئيس مجلس الأطباء بالبليدة، أن إفراط المواطنين في التداوي بالأعشاب على يد أشخاص لم يتابعوا تكوينا متخصصا في المجال ولا يتحكمون في المبادئ الأولية لهذه المهنة، «قد ينعكس سلبا على صحة المريض». وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور ياسين تركمان أن معظم الأشخاص الذين ينصبون أنفسهم أطباء علاج بالأعشاب في البليدة «يستغلون في الحقيقة سذاجة الناس لتحقيق أرباح وفيرة»، مشيرين إلى أن الأمر يتعلق بتجار يمارسون نشاطا يشبه الشعوذة أكثر منه التداوي بالأعشاب». وأوضح المتحدث من جهة ثانية، أن الأعشاب الطبية «تكون أحيانا سامة وتتسبب في بعض الأمراض»، داعيا المواطنين إلى «التحلي باليقظة» و«طلب العلاج على يد أطباء الأعشاب الحاملين لشهادات، ولديهم اطلاع عميق في هذا المجال». كما شدد الدكتور تركمان على ضرورة «وضع جهاز قانوني لتنظيم مهنة التداوي بالأعشاب وحماية المواطنين ضد الفوضى السائدة حاليا بهذا الفرع»، مشيرا إلى أن أطباء الأعشاب المزعومين، يستغلون غياب قانون ينظم هذا النشاط ويمارسون هذه المهنة على أساس سجلات تجارية، «فالقانون وحده هو القادر على حماية الصحة العمومية ضد جشع أشخاص نصبوا أنفسهم أطباء بالأعشاب، كما أضاف المتحدث.