أيام قليلة تفصلنا على عتبة اجتياز الطلبة لشهادة البكالوريا دورة 2013، ليبدأ العد التنازلي وسط المخاوف والارتباكات وهاجس الفشل، مما يدفع المترشحين لمضاعفة مجهوداتهم من خلال تكثيف المراجعة في هذه الأيام الفاصلة، الأمر الذي يسبب إرهاقا للطالب ويساهم في فقده التركيز خلال يوم الاختبار، علما أن هذه المخاوف تطال الأولياء أيضا، وبدرجة تفوق توتر الطالب أحيانا. يحرص الأولياء على خدمة أبنائهم بشدة خلال فترة الامتحانات، من خلال توفير الأجواء المناسبة للمراجعة، إلى جانب تقديم الدعم المادي والمعنوي، إلا أن هذه الأساليب غير كافية لمنع الخوف والتوتر، بالمقابل نجد الطالب يكثف من المراجعة في الأيام الأخيرة لتتحول إلى سلاح ذو حدين، حيث تتسبب في إرهاقه وارتفاع معدل تعبه. «المساء” قامت بجولة استطلاعية لرصد الحالة النفسية للطلبة والأولياء على حد سواء، أجواء التحضيرات امتازت بالاعتماد على القاعدة الأولى والكلاسيكية، وهي زيادة معدل ساعات المراجعة سواء في البيت أو لأخذ الدروس الخصوصية، وهذا ما أكده لنا السيد عبد الوهاب، أب لولدين، أحدهما سيجتاز البكالوريا، والآخر شهادة التعليم المتوسط، وقد كلفه الأمر دفع مبلغ 20 ألف دينار في الشهر الأخير، حيث قال: ”من الواجب تشجيع الأبناء خلال هذه الفترة التي تسبق الامتحان دون الضغط عليهم، حتى لا يتعرضوا للضغط الذي يؤثر سلبا على مردوديتهم لاحقا”. أما السيدة حورية التي صرحت بأنها استلفت مبلغا من شقيقها لتدفع ثمن الدروس لمساعدة ابنها على اجتياز الامتحان، بكل ثقة تقول: ”هذه المرة الثالثة التي يجتاز فيها ابني البكالوريا، لهذا عملت على مساعدته من خلال مضاعفة الدروس الخصوصية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا، وبحضور أستاذ مختص للبيت، حتى أوفر له المناخ المناسب للحفظ ومنه النجاح. ”عند الامتحان يعز المرء أو يهان”، هذا ما قاله لنا الطالب كمال، مقبل على اجتياز البكالوريا، مضيفا: ”إحساسي كغيري من الطلاب خلال هذه الأيام، ممزوج بالخوف وعدم الثقة أحيانا، إلا أنني أحاول دعم معنوياتي عن طريق نصائح أصدقائي المتحصلين عليها، وأقوم فجرا للحفظ”. وفي حديث ذى صلة، أجمع العديد ممن التقيناهم على أنهم يفضلون الدراسة الجماعية كونها ترسخ المعلومات وتساعد في استذكار الدروس، وهو ما يشعرهم بالارتياح ويرفع من معنوياتهم.
الأسئلة المتوقعة تستهوي الطلبة يعتمد الكثير من الطلبة على” التكهن”، وهو نوع من أنواع التخفيف عن النفس، حيث ينتظر الطالب ردا يثلج الصدر من الأستاذ لمساعدته في عرض مجموعة من الأسئلة المتوقعة في الامتحان، إلا أن هذه التوقعات للأسف توقع الطلبة في الفشل، كونهم ركزوا على دروس واستهانوا بالباقي. وفي اتصال ل ”المساء” مع السيدة بوناب أستاذة في اللغة العربية، أكدت أن الخطأ الذي يقع فيه العديد من الطلبة هو ترك الحفظ والمراجعة للأيام الأخيرة، مما يسبب لهم الضغط. وفي محاولة ”المساء” لمعرفة الأبعاد النفسية التي تصيب كلا من الطلبة والأولياء قبل اجتياز هذا الامتحان المصيري، حدثنا حماش الحسين، دكتور دولة في علم النفس الاجتماعي قائلا: ”أن دور الأولياء مهم جدا في التهيئة النفسية للأبناء ومنحهم كل الرعاية المادية والمعنوية، إلى جانب الأغذية السليمة المتوازنة التي تمنح الطالب الطاقة، إضافة لمنحهم الثقة بالنفس وعدم تخويفهم بالفشل، لأن ذلك سيعود سلباعلى معنوياتهم حتى وإن كانوا نجباء في الدراسة، فالطاقة السلبية التي تنبعث من الأولياء جراء قلقهم وخوفهم من رسوب أبنائهم تؤدي إلى انحطاط معنويات الطالب بطريقة غير مباشرة، وبالرغم من أن هذه الحالة تعد طبيعية في نفسية الإنسان، إلا أنه على الأولياء عدم إظهارها بشكل مفرط، ويضيف رئيس قسم علم النفس بجامعة بوزريعة؛ تعد هذه المرحلة بالنسبة للطالب وأوليائه مرحلة مصيرية تحدد حياته المستقبيلية، وهو سبب الضغط والتوتر اللذين يعيشهما الجميع في هذه الأيام، فالبكالوريا موضوع محوري لدى الأسر الجزائرية لأنه الجسر الذي ينقل الطالب إلى الحياة الجامعية، وبالتالي الآفاق المستقبلية تكون أكثر وضوحا، مما يسبب حالة القلق والاستنفار. ويبرر الدكتور قلق الأولياء الكبير على أبنائهم بأنهم ثمرة جهدهم طوال الحياة، كما أن نجاحهم يصنع نوعا من الافتخار ويحقق الراحة والرضى. ويقول الدكتور؛ إن قلق الأسرة على الطالب يزيد الضغط عليه، لهذا أنصح الأولياء بعدم التأثر الشديد إلى درجة تجعل الطالب يزداد خوفا وهلعا، مما يساهم في نقص الثقة بالنفس، ويمنعه من التركيز الإيجابي. ”ومن الأخطاء التي يقع فيها أغلب الطلاب (إذا لم يكونوا كلهم)، المراجعة في الفترة الأخيرة قبل الاختبار، إلا أن الطريقة السليمة هي المراجعة طيلة السنة، وتبقى المراجعة خفيفة فقط في المرحلة الأخيرة، حتى يتأكد الطالب من صحة معلوماته وتثبيتها في ذهنه دون الضغط الذي يرهقه، مما يمنعه من التركيز يوم الامتحان لعدم قدرته على التفصيل ووضع منهجية سليمة سهلة للمراجعة”، يضيف الدكتور. وترى الأستاذة نجاح بو الهوشات، مختصة في علم الاجتماع، أنه لابد على الطالب من اكتشاف المشاكل والصعوبات التي تجعله يرتبك قبل اجتياز الامتحان للتغلب عليها، حتى يستطيع القيام بمراجعة فعالة، ومن أهم المشاكل التي تواجهه، نذكر؛ تراكم الدروس وعدم القدرة على تنظيم الوقت للانتهاء منها، كما يعاني بعض الطلاب من كراهية بعض المواد الدراسية، أو تصديق الفاشلين الذين يعملون على تخويف الجميع من خلال تصوير البكالوريا في صورة الشبح المفزع الذي لا يمكن التغلب عليه، إلى جانب وجود من يعانون من القلق والتوتر الناتجين عن المشاكل الخاصة أو العاطفية التي تشتت الذهن وتضعف قدرتهم على التركيز والمراجعة.