عادت من جديد مظاهر التجارة الموازية في أغلب بلديات العاصمة، بعد أشهر قليلة من إصدار القرار القاضي بإزالتها من قبل الوصاية، ورغم المجهودات المعتبرة التي قامت بها مصالح الأمن بالتنسيق مع السلطات المحلية، إلا أن إصرار الباعة على العودة من جديد أخلط جميع الحسابات، خاصة بعد عجز العديد من المجالس البلدية على احتوائهم وتقديم بدائل قانونية لهم، في الوقت الذي كانت فيه الأسواق الموازية مصدر رزق لهم بعد أزمة بطالة خانقة. وكانت وزارة الداخلية في نهاية السنة الماضية، قد وجهت تعليمة للولاة المنتدبين ورؤساء المجالس البلدية بولاية الجزائر، تتضمن إلزامهم بالإشراف الشخصي على العملية بالتنسيق مع مصالح الأمن، إلا أن العملية التي استمرت قرابة الستة أشهر سرعان ما توقفت، مع إصرار الباعة الفوضويين على العودة من جديد وعجز العديد من المشاريع الاستثمارية على تنظيم التجارة، على غرار مشروع ”محلات الرئيس” الذي تعطل في العديد من البلديات بسبب غياب العقار، بينما فشل في بلديات أخرى أنجزت المشروع بمناطق معزولة غير صالحة لممارسة النشاط التجاري.
الباعة حاضرون رغم مطاردات الأمن لذلك، لا تزال صور العرض الفوضوي بالأرصفة والطرق في مختلف البلديات، ومنها مدخل السوق الجوارية لبلدية الشراقة الذي اختاره الشباب لطرح سلعهم من ملابس، أحذية وأوان، لكن رغم ذلك لا تزال ”لعبة القط والفأر” جارية بين الباعة والفوضويين ومصالح الأمن في مختلف النقاط السوداء عبر العديد من بلديات العاصمة، فعلى الرغم من المجهودات الجبارة التي تقوم بها مصالح الأمن لتطهير هذه النقاط السوداء من الباعة الفوضويين، إلا أنه تعذر عليها ذلك أمام إصرار هؤلاء الشباب على توفير لقمة عيشهم، بل ويضطر الباعة في عدد من المناطق إلى تنصيب شخص يقوم بتحذيرهم بمجرد وصول رجال الشرطة، حيث يستخدمون ”مفردات خاصة” بهم تساعدهم على الاستعداد للهروب قبل وصول الأعوان، وهذا ما وقفنا عليه في سوق ”ميسوني” ببلدية سيدي أمحمد.
32 طاولة تجارية بحسين داي غير كافية من جهته، لم ينف رئيس المجلس الشعبي البلدي لحسين داي مشكل الباعة الفوضويين الذي كان مطروحا منذ سنوات، مؤكدا أن مصالحه تسعى إلى تنظيف المدينة من آثار الأسواق الموازية، رغم انتشار بعض الباعة الطفيليين، ومن خارج البلدية، بعدد من الأحياء، مضيفا أن مصالحه تمكنت مؤخرا من تسليم قرارات استفادة ل 32 شابا من الباعة الفوضويين بسوق طرابلس، في انتظار تسليم قرارات استفادة من طاولات أخرى تقع بسوق بروسات التي ستفتتح قريبا، يقول المسؤول.
بلدية القصبة تنتظر الضوء الأخضر أما بلدية القصبة، فقد أحصت أربع مناطق تنتشر بها التجارة الموازية، وحسب نائب رئيس البلدية المكلف بالبناء والتعمير، السيد منصور أوبران ل ”المساء”، فقد تمت دراسة ملفات المعنيين، وتجري حاليا المصادقة على مشروع توسيع سوقين بكل من شارعي ”عمار القامة” و”زوج عيون” على أن يتم إنجاز طابقين بهما لضم أكبر عدد من الباعة الفوضويين، ولم يبق إلا انتظار الضوء الأخضر من قبل السلطات المعنية للانطلاق في المشروع في أقرب الآجال.
المواطن بين معارض ومؤيد تضاربت آراء المواطنين بين مؤيد ومعارض للتجارة الموازية، رغم الأضرار الكبيرة التي قد تلحق بالزبائن، خاصة عند استهلاك المواد الغذائية المعروضة بطريقة غير مناسبة، كما أنها عرضة للحرارة والغبار ومختلف التغيرات المناخية، وفي هذا الصدد، يقول السيد ”ل.ن” التقيناه بالقرب من مدخل سوق الشراقة؛ إنه لا يقبل تماما تواجد مثل هؤلاء الطفيليين بالشوارع، فإضافة إلى عرقلتهم لحركة السير، فهم يتسببون في إلحاق الأذى بالمواطنين الذين يقومون باقتناء ما يحتاجونه من سلع ومنتوجات غذائية قد تكون فاسدة، مقلدة أو منتهية الصلاحية، مضيفا ”كيف تسمح الوصاية بهذه الفوضى.. يجب المسؤولين التحرك عاجلا.. لقد أصبحنا غير قادرين على السير ولا حتى ركن سيارتنا أمام مدخل السوق للتبضع”. أما السيدة ”كريمة” التي التقيناها بسوق ميسوني، وهي بصدد شراء بعض اللوازم، فقالت؛ ”أفضل اقتناء مستلزماتي هنا عوض التوجه إلى المحلات التجارية، لأن أسعارها باهظة جدا ولم نعد قادرين على دفع كل التكاليف، لهذا نفضل الأسواق الموازية، فالأسعار في ارتفاع ومدخولاتنا تنخفض فما العمل؟.
اتحاد التجار: البلديات مسؤولة وحمّل اتحاد التجار الجزائريين على لسانه ناطقه الرسمي، السيد الطاهر بولنوار، في اتصال مع ”المساء”، مسؤولية عودة التجارة الموازية إلى المجالس البلدية المنتخبة، بسبب عجزها، تهاونها وعدم إقدامها على الحفاظ على صحة السكان وتنظيم النشاطات المختلفة عبر إقليمها، مما ساهم في استفحال الظاهرة وتنامي عدد الباعة الفوضويين الذين أصبحوا يروجون العديد من المواد الاستهلاكية الفاسدة، المقلدة والمهربة، موضحا أنه تم القضاء على 40 بالمائة من نقاط البيع غير القانونية من قبل الهيئات المعنية منذ نهاية سنة 2012، بعد قرار وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة التجارة. وأضاف المتحدث أن الاتحاد بارك تلك القرارات، باعتبار أن الأسواق الموازية تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الخطر الذي يواجه صحة المستهلكين، حيث أن 80 بالمائة من المنتوجات الفاسدة، المقلدة ومنتهية الصلاحية تمرر عبر الأسواق الفوضوية، فضلا عن أن الظاهرة أصبحت تعرقل مشاريع الاستثمار للعديد من المستثمرين الجزائريين والأجانب، إلى جانب الخطر الذي تشكله على التجارة المنظمة.وطالب السيد بلنوار بإعادة النظر في منظومة الضرائب من خلال التخفيض والتقليل من التكاليف الجبائية والضريبية على التجارة القانونية، واستغلال المساحات التجارية المغلقة، باعتبار أن الكثير من أسواق الفلاح والأروقة لا تزال مغلقة منذ سنوات، حيث دعا إلى فتحها عوض التفكير في بناء أسواق جديدة قد تكلف وقتا طويلا، فضلا عن التفكير في إنجاز شبكة وطنية للتوزيع، خاصة التركيز على بناء وإنجاز أسواق جوارية وتجزئة، باعتبار أن النقص في هذه المرافق وصل إلى 50 بالمائة، وأخيرا، تفعيل دور البلديات، باعتبارها المسؤول الأول عن حماية المواطنين وتنظيم مختلف النشاطات عبر أقاليمها.