تفشت التجارة الموازية في الفترة الأخيرة بصورة ملفتة للإنتباه خاصة في ولاية الجزائر، حيث أصبح هذا النشاط يمس كل المجالات، مما دفع وزارة التجارة إلى دراسة هذه الظاهرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء عليها، من خلال تنظيم الأسواق الفوضوية بمساهمة المجالس المحلية، كونها الطرف الفاعل، ومديرية التجارة لولاية العاصمة التي ستشرع بداية من الشهر الجاري في فتح 52 سوقا جواريا، لإدماج التجار الفوضويين بها وامتصاص البطالة والمساهمة في تطوير الإقتصاد الوطني. وتشير آخر الإحصائيات التي أشار إليها الإتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين إلى وجود أكثر من مليون ونصف بائع فوضوي، كما تمثل التجارة الموازية نسبة 60 بالمائة من مجمل الإقتصاد الوطني، الذي انعكس عليه هذا النشاط سلبا وبخسارة تفوق25 مليار دينار سنويا، مما دفع بوزارة التجارة كما أكده وزيرها مصطفى بن بادة مؤخرا إلى تكثيف الجهود للقضاء عليها كليا، وبمساهمة الحكومة التي خصصت ميزانية 4 ملايير دينار لتنظيم هذا القطاع، بينما سارعت مديرية التجارة للعاصمة إتخاذ الإجراءات المناسبة لاحتواء الظاهرة، حيث ستخلق فضاءات تجارية بالبلديات تخضع للمراقبة المستمرة. ورغم الإقبال الكبير على الأسواق الفوضوية، إلا أن العديد من مرتاديها يجمعون على أنها شوهت العديد من شوارعنا، وانعكست سلبا على اقتصادنا الوطني لانتشارها الواسع، حيث توجد حتى بالقرب من الأسواق الجوارية، وأصبحت تنافسها في مختلف الأحياء وفي قلب العاصمة أيضا، حيث تحولت أكبر الأحياء وأرقاها إلى مساحات تجارية تعرض بأرصفتها مختلف السلع من ألبسة ومواد غذائية وحتى مواد ثمينة، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى، خاصة على مستوى شارع بن مهيدي وسوق كلوزال وميسوني بشارع خليفة بوخالفة بوسط العاصمة، كما تتكرر الظاهرة بالسوق الشعبي المتواجد ببلدية بلوزداد المعروف ''بمارشي ,''12 وسوق ساحة الشهداء والساعات الثلاث ببلدية باب الوادي الذي وجدنا به بعض الأطفال يعرضون سلعا غذائية منتهية الصلاحية، وعرض مواد غذائية كالخبز على أرصفة الطرقات بالقرب من مجاري المياه. ولدى زيارتنا لبلدية باب الوادي للإستفسارعن وجهة نظر السلطات المحلية حيال هذه الظاهرة التي تعتبر بلديتهم من أقدم البلديات التي استفحلت بها هذه الظاهرة، أكد لنا بعض المنتخبين المحليين أن القضاء على التجارة الموازية أمر يستلزم تكاثف جهود العديد من الجهات. أما الجهات المعنية بالمقاطعة الإدارية لسيدي أمحمد، فأكدت ل''لمساء''بأنها تنسق منذ مدة مع مديرية التجارة للعاصمة ومصالح الأمن للحد من نشاط التجار الفوضويين، من خلال فتح فضاءات لممارسة نشاطهم بصفة شرعية؛ مثل المراكز التجارية التي تم فتحها بشارع حسيبة وفيكتور هيجو وبشارع خليفة بوخالفة، الأمر الذي أعطى نتائج إيجابية رغم وجود ثغرات. يهجرون الأسواق الجوارية للعودة إلى الأرصفة ورغم استفادتهم من محلات تجارية على مستوى ولاية الجزائر، إلا أن بعض الشباب فضلوا العودة إلى مزاولة نشاطهم الفوضوي على الطرقات والأرصفة، لأنه مربح أكثر على حد تعبيرهم، وهوما حدث على مستوى أسواق بومعطي، باش جراح وساحة الشهداء، حيث أجمع التجار على أن التهرب الضريبي يعد مكسبا لهم، لكن ما شد انتباهنا هوالسوق الجواري المهجور ببلدية الدويرة التي تعد من أبرز بلديات العاصمة التي تنتشر بها التجارة الموازية، بالرغم من احتوائها على العديد من المحلات التجارية، فالعدد الهائل من مواطني البلديات المجاورة الذين يتدفقون عليها يوميا جعلها لا تستوعب الطلب، ما دفع الشباب العاطل عن العمل إلى اتخاذ الأرصفة بالطرقات الرئيسية لعرض سلعهم، ولدى تقربنا من التجار الفوضويين، أكدوا بأن السبب الذي جعلهم يهجرون السوق الجواري هوموقعه غير الملائم، حيث بدا لنا هذا الأخير شبه خال، وعدد المحلات المغلقة أكبر من المفتوحة. من جهتها، أكدت السلطات المحلية وعلى لسان مسؤولها الأول أن بلدية الدويرة تقدمت خطوات كبيرة في سعيها للقضاء على التجارة الموازية التي كانت تمارس إلى وقت قريب حتى على مستوى مداخل العمارات، وهوما تم القضاء عليه ليبقى الطريق الرئيسي المؤدي إلى محطة النقل البرية وحده يعاني من هذه الظاهرة التي سيتم القضاء عليها بفتح سوق جواري آخر، يخصص للتجار الفوضويين الذين أودعوا ملفاتهم للإستفادة من المحلات التجارية. حان الوقت لتطهير السوق من النشاط الطفيلي ولتحديد هذه الظاهرة من الجانب الإقتصادي والتعرف على انعكاساتها على الإقتصاد الوطني، إلتقت''المساء'' الدكتور في علوم الإقتصاد بشير مصيطفى، الذي أكد أن التجارة غير الشرعية ظاهرة ذات بعد إقتصادي بحت ونشاط غير مرخص ناتج عن عدة عوامل، أبرزها هشاشة الإقتصاد من حيث حجم الإنتاج الداخلي وفروعه، وضعف قيمة العملة الوطنية وقلة المعروض منها أمام المتعامل الإقتصادي وضعف إمكانيات الدولة في مراقبة الأسواق، وثقل النظام الضريبي الذي يحول دون التصريح بالنشاط. ويرى المختص أن التجارة غير الشرعية تشكل في الجزائر قطاعا مهما من حيث رقم الأعمال ونسبتها إلى السوق الرسمية، وبالرغم من صعوبة التحكم في المعلومة الإقتصادية، عندما يتعلق الأمر بالإقتصاد غير المنظم، إلا أنه يمثل نسبة 40 بالمائة من إجمالي الإقتصاد، بينما يقدر التهرب الضريبي ب 700 مليار دينار سنويا، ما نسبته7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، ما يدل على أن حجمها كبير بالرغم من أنه يجهل رقم أعمالها بالتحديد. وحسب المتحدث، فإن التجارة غير الشرعية تستوعب عرض العمل عندما تعجز الدولة عن التشغيل،لأن تكاليف النشاط فيها منخفضة، إلا أنها مضرة لأنها تحرم الخزينة من الجباية الضريبية وتعيق نشاط الشركات الإنتاجية المصرح بها، بسبب المنافسة غير الشريفة، الأمر الذي يتطلب التعجيل بتطهير سوق النشاط الطفيلي، الذي يستفيد من البنية القاعدية للإقتصاد الوطني، ليس للمضي به قدما، وإنما للإستثمار في المضاربة لتحقيق الأرباح على حساب النافسة الشريفة. إنجاز 52 سوقا تجارية للتجزئة من جهتها، شرعت مديرية التجارية للعاصمة وبالتنسيق مع الوزارة الوصية والمصالح الولائية والبلدية للعاصمة، بإدخال برنامج فتح 52 سوقا جوارية حيز التنفيذ، بعد الإنتشار الكبير للتجارة الموازية، حيث أحصى أعوان المديرية أكثر من 123 سوقا فوضوية على مستوى بلديات العاصمة التي شرعت في تطبيق التعليمة، وستشرع بلدية بئر مراد رايس بفتح السوق المغطاة بحي الينابيع، التي ستقضي على السوق الفوضوية التي تشوه منظر الحي، حسب ما أكده عبد الحميد حبيك ل''لمساء''، مشيرا إلى أن التكلفة الإجمالية لإنجاز هذا السوق التي تضم 80 محلا تجاريا قد بلغت مليارين سنتيما، حيث سيضم الطابق الأول موقفا للسيارات، أما الطابق الثاني فيحتوي على محلات تجارية وأخرى للخضر والفواكه، أما الطابق الثالث فيخصص للألبسة، إضافة إلى محلات أخرى متعددة الخدمات كالسياحة والأسفار وغيرها. أما بلدية تسالة المرجة، فستفتح المحلات الموجودة على مستوى ال130 مسكنا أمام الشباب الذي أودع ملفاته لدى وكالات التشغيل المختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة لبلدية بئر التوتة وبئر خادم اللتان ستوزعان قريبا مشروع المائة محل. أما بلدية دالي إبراهيم، فقد شرعت في تجديد السوق الجوارية المتواجدة على مستوى حي الرياح الكبرى، لامتصاص الضغط الموجود على مستوى قطاع التجارة والحد من ظاهرة التجارة الموازية، ولنفس الغرض سيتم إنجاز سوق جديدة بحي سيدي رزوق، على مساحة قدرت ب 1500م. كما أنه ببلدية برج الكيفان، سيتم فتح السوق المغلقة منذ سنوات والتي تحوي على 68 محلا تجاريا، أما الغلاف المالي الذي خصص لها فقدر بمليار ومأتي مليون سنتيم، بينما سيفتح ببلدية حسين داي مركز تجاري، الأمر الذي سيدرس بالنسبة لجارتها بلدية المقارية التي تنظر في إعادة فتح المحلات المغلقة، أما بلديتا الشراقة وجسر قسنطينة فستستجيب إلى الشباب البطال على مستوياتهما، بعد الإحتجاجات التي شهدتها وذلك بتسليم مشروعي المائة محل تجاري، كما تسعيان إلى إنجاز سوقين جواريتين جديدتين. أما ببلدية السويدانية، ورغم محدودية إمكانياتها المادية، فقد أنجزت سوقا جوارية تحوي على 18محلا تجاريا و23 طاولة، رصد لها مبلغ 5,2 مليار سنتيم، أما بلدية باش جراح التي تعتبر من أبرز البلديات التي استفحلت بها التجارة الموازية، إستطاعت القضاء عليها بإنجاز سوق جوارية وفتح مركزين جواريين، إلا أنه ما تزال بعض النقائص التي أدت إلى عودة الظاهرة ولوبنسبة جد محدودة، حيث ستعمل السلطات المحلية على القضاء عليها من خلال تخصيص 5 ملايير سنتيم لتوسيع السوق الجوارية التي تحوي على 280 طاولة. أكبر سوق للجملة بالحراش سيسلم، منتصف شهر جويلية المقبل، الشطر الأول من المشروع الضخم والمتمثل في إنجاز سوق للجملة على مساحة 5 هكتارات الذي استقبلته بلدية الحراش، ويضم هذا الشطر الأول 150 محلا تجاريا، بينما يتم تسليم الشطر الثاني من المحلات المتبقية والمقدرة ب 450 محلا تجاريا فور الإنتهاء من أشغال إنجازها، كما أكدته لنا مصادر مطلعة بوزارة التجارة ليبلغ بذلك عدد محلات هذه السوق ال 600 محل. ويعد هذا المشروع مكسبا مهما لبلدية الحراش التي شرعت مؤخرا في التنسيق مع الجهات المعنية لضبط قائمة المستفيدين من المحلات، إضافة إلى عدة إصلاحات مست قطاع التجارة بالبلدية، من خلال تنظيم الأسواق الجوارية الموجودة بها وتنظيم قطاع النقل لاستقبال الوافدين على السوق في أحسن الظروف. وسيكون هذا المرفق من أهم أسواق الجملة على المستوى الوطني، حيث ستشمل بيع مختلف المواد، وقد تم اختيار بلدية الحراش لاستقبال هذا المشروع، كونها تعد من أبرز البلديات التي استفحلت فيها التجارة الموازية، كما أنها قريبة من أكبر سوقين للتجارة السوداء الواقعتين بكل من بلدية بوروبة وجسر قسنطينة، هذا الأخير الذي يضم لوحده 500 تاجر يعملون في إطار غير قانوني، وهي العوامل التي حفزت على اختيار مكانه ليقضي بعد افتتاح محلاته على التجارة الفوضوية بهذه المنطقة واتخاذ إجراءات ردعية في حق كل تاجر يمارس نشاطه بطريقة غير قانونية.