تعكس الحركية الدبلوماسية التي عرفتها الجزائر الأسبوع المنقضي، الاستقرار الذي تعيشه البلاد على ضوء محاولات ترسيخ فكرة تذبذب النشاط، على خلفية القراءات التي صاحبت مرض رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، والتي دحضتها الصور التي بثها التلفزيون، حيث كانت بمثابة تطمين للرأي العام بالدرجة الأولى، وتكذيب للإشاعات التي عمدت إلى ترويجها بعض الفضائيات الدولية المعروفة بلهثها وراء الإثارة. فقد شهدت الجزائر خلال الأسابيع الماضية زيارات مكثفة لوفود أجنبية على أعلى مستوى، والتي أكدت المكانة التي تحظى بها البلاد في مجالات التعاون متعددة الأوجه مع الشركاء، حيث برزت ثمار الإصلاح المؤسساتي الذي جاء ليتدارك الهشاشة التي اعترت مؤسسات الدولة؛ بسبب الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد خلال التسعينيات جراء الإرهاب والفوضى التي كانت تسود مختلف مناحي الحياة، إذ لم تكن كل الدول تجرؤ على التعامل مع مؤسسات كادت أن تندثر بسبب غياب القانون. ويكفي أن نسجل أن زيارة رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان قد تمت في الوقت الذي يتواجد رئيس الجمهورية في فترة نقاهة بباريس، وهي الزيارة التي أفضت إلى نتائج إيجابية بشهادة الضيوف الأتراك، الذين أبدوا استعدادا كبيرا لدفع علاقات التعاون مع بلادنا. كما توالت زيارات لوفود على أعلى مستوى إلى بلادنا؛ حيث نذكر زيارة رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا جان كلود مينيون، الذي اعترف بأن الجزائر "بلد عظيم" يلعب دورا "في غاية الأهمية" في المنطقة. وغير بعيد عن المنطقة الأوروبية، استقبلت الجزائر وزير الخارجية الإسباني خوسي مانيول غارسيا- مارغاليو، حيث تم التطرق لمجالات التعاون الثنائية في ظل تطلّع مدريد لتحقيق مخطط استثماري بالجزائر يفوق 10 ملايير أورو، يمس عدة قطاعات، مثل السكن والأشغال العمومية. ودائما على مستوى الدائرة الأوروبية، فقد كانت لوزير التربية الوطنية لجمهورية فرنسا محادثات مع المسؤولين الجزائريين، وعلى رأسهم الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، حيث تم تقييم تجربة البلدين في المجال البيداغوجي مع إرساء أسس تعاون معمَّق من أجل تكفّل أحسن بالتلاميذ وتبادل التجارب في مجالات تقييم وعصرنة أدوات التكوين. عربيّاً، كانت زيارة وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان السيد يوسف بن علوي بن عبد الله إيجابية، إذ سمح اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين بتجسيدٍ وتعزيزٍ أكبر للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك في الوقت الذي تم الإقرار بأن الاتصالات والمشاورات والزيارات المتبادَلة بين مسؤولي البلدين، أسهمت في تفعيل مجالات التعاون في قطاعات عدة. من جانبهم، شارك مسؤولون جزائريون في العديد من اللقاءات التي احتضنتها عواصم عالمية، ونذكر أبرزها مشاركة كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية في الخارج السيد بلقاسم ساحلي، خلال ندوتين حول الجاليات بباريس وجنيف، حيث كانت الفرصة لاستعراض تجربة الجزائر في هذا المجال، مؤكدا أن "كل القوانين الأساسية الوطنية تمنح للجالية الجزائرية نفس الحقوق السياسية والمدنية التي يتمتع بها مواطنوها المقيمون في الجزائر". وباعتبارها من أحرص الدول على إيجاد حل سلمي للأزمة المالية، فقد احتضنت الجزائر ندوة دولية تضامنية مع شعب مالي على مدار يومين، تم خلالها تثمين موقف الجزائر تجاه الأزمة في هذا البلد ودورها المحوري في الحفاظ على وحدته الترابية، كما كانت الندوة فرصة للجزائر لتأكيد دعمها لحل سلمي بين أطراف الأزمة. وفي هذا الإطار أشادت الجزائر بتوقيع الاتفاق التمهيدي بين الحكومة المالية والحركة الوطنية لتحرير أزواد والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، مشيرة إلى أن هذه المرحلة الهامة التي تم بلوغها تفتح المجال لحوار سياسي، يُسهم في إحلال سلام شامل ودائم يقوم على المصالحة الوطنية والحفاظ على الوحدة والسلامة الترابية لمالي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان. وكثمار على مساعيها من أجل إقناع المجموعة الدولية بمنع دفع الفدية للإرهابيين وحث المجموعة الدولية على تبنّي هذا المسعى؛ من أجل تجفيف منابع الإرهاب، فقد أعرب رؤساء دول وحكومات مجموعة ال 8 رفضهم الواضح لدفع الفدية للإرهابيين، استنادا على لائحة 1904 لمجلس الأمن الأممي. وأعربت الجزائر في هذا الصدد عن ارتياحها لذلك، داعية دول ومؤسسات العالم إلى انتهاج هذا المبدأ لتجفيف أحد أهم مصادر تمويل المنظمات الإرهابية، التي تسمح لها بجلب عناصر جديدة وتعزيز قدراتها، آملة في أن يسهم هذا الموقف الذي اعتُمد بمبادرة من الوزير الأول البريطاني، في بعث محادثات جديدة قريبا على مستوى الأممالمتحدة من أجل المصادقة على أدوات وآليات ملزمة؛ بغية القضاء الجذري على التهديد الذي يشكله دفع الفدية للجماعات الإرهابية. واعترافا بدورها في تفعيل المؤسسات الدولية، فقد انتخبت الجزائر في هيئة لمنظمة الأممالمتحدة من أجل الأغذية والزراعة (فاو) لمدة سنة، وذلك تقديرا لدعمها للإصلاحات المقررة من قبل المنظمة. وفي هذا الإطار، تم تكريم الجزائر من قبل "الفاو"، لتجسيدها للهدف الأول من أهداف الألفية من أجل التنمية، المتمثل في التقليص من حدة الفقر المدقع.