كان الاجتماع الوزاري الثالث للمنتدى العالمي لمكافحة الارهاب الذي احتضنته أبوظبي (الامارات العربية المتحدة)، نهاية الاسبوع، فرصة للجزائر لاستعراض رؤيتها بخصوص مكافحة الافة والاساليب المعتمدة في ذلك، لاسيما فيما يتعلق برفض دفع الفديات للجماعات الارهابية المحتجزة للرهائن والذي يعد مقترحا جزائريا خالصا، تم طرحه على مستوى مجلس الامن لمنظمة الاممالمتحدة. وفي هذا الصدد، أكد كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، السيد بلقاسم ساحلي، الذي شارك في الاجتماع أن "مذكرة الجزائر" حول رفض دفع الفديات للجماعات الارهابية المحتجزة للرهائن يمثل "لبنة جديدة" في مكافحة تمويل الارهاب. معربا عن ارتياحه للمصادقة على المذكرة. كما أشار السيد ساحلي إلى أهمية وصدى "مذكرة الجزائر" في مجال مكافحة تمويل الارهاب، من خلال ضمان نضوب المصادر الناجمة عن دفع الفدية". وحيا المصادقة على "مخطط العمل حول ضحايا الارهاب" وكذا وضع "مركز امتياز لمكافحة التطرف العنيف" المدعو "هداية" والذي يتواجد مقره بأبوظبي. وجدد السيد ساحلي التزام الجزائر بالاستمرار في المساهمة بفعالية في نشاطات المنتدى العالمي لمكافحة الارهاب الذي تعد عضوا مؤسسا فيه. ويشكل المنتدى العالمي لمكافحة الارهاب الذي تم تاسيسه في 22 سبتمبر 2011 بنيويورك بمثابة تأييد للرؤية الجزائرية في التعاطي مع هذه الظاهرة العابرة للحدود، حيث أكد السيد عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية خلال حفل إطلاق المنتدى، أن هذا الاخير يضع لبنة هامة في الهندسة العالمية لمكافحة الإرهاب التي تريدها الجزائر كاملة ومنسقة وفعالة لضمان السلم والاستقرار والتنمية للعالم. وإذ يعد منع دفع الفدية من الحلول التي تراها الجزائر كوسيلة ضرورية لتجفيف منابع الارهاب، فقد سبق لها أن أعربت على مستوى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة شهر أكتوبر الماضي بجنيف رغبتها الصريحة في مراجعة استراتيجية الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب. إذ تتضمن أبرز النقاط المدرجة في هذا الصدد، تعزيز التوصيات الأممية المتعلقة بتجريم الفدية ومنع الإفراج عن الإرهابيين كمقابل لتحرير الرهائن. وتجدر الاشارة إلى أن هذه المقترحات تأتي بعد أن أصدر اعضاء مجلس الأمن الدولي لائحة تجرم دفع الفدية للأشخاص والمجموعات المدرجين في لائحة الإرهاب. وتعتبر اللائحة تقديم الفدية شكلا من أشكال تمويل الإرهاب، وهو الطرح الذي رافعت لأجله الجزائر ونجحت في إقناع مجلس الأمن بتبنيه والانخراط في العمل الميداني لفرضه على الحكومات التي تبدي استعدادا لدفع الفدية مقابل الإفراج عن رهائنها.وجاء ذلك على ضوء قلق أعضاء مجلس الامن ازاء تزايد عمليات الخطف التي يقوم بها أشخاص ومجموعات ومنظمات وكيانات متصلة بتنظيم القاعدة، للحصول على أموال أو تنازلات سياسية. ولذلك حرصت اللائحة المرقمة 04/19 على التأكيد بأن البلدان الأعضاء في الأممالمتحدة ممنوعة من التفاوض والتعامل مع الأشخاص والتنظيمات المصنفة ضمن الإرهاب في قائمة الأممالمتحدة الخاصة بالإرهاب. مشددة على أن القرار يحمل صفة الإلزام القانوني. وتبرز تداعيات الاخلال باللائحة من قبل بعض الدول في الوضع الذي تشهده منطقة الساحل التي عرفت لسنوات عمليات إرهابية مختلفة، حيث كان الارهابيون يتخذون من الفدية كوسيلة لتمويل عملياتهم الاجرامية، في الوقت الذي تشير فيه معلومات إلى أخذ القاعدة 5 ملايين أورو عن كل رهينة أفرجت عنها، وجنيها ل150 مليون اورو من دول غربية مقابل إطلاق سراح رعايا ينحدرون من هذه البلدان. وهو ما يعني أن دفع الفدية يعد بمثابة تشجيع على استمرار العمليات الارهابية. ومن هذا المنظور، يرى ساحلي أن الوضع في منطقة الساحل "متعدد الابعاد" كونه يغطي الجوانب السياسية والامنية والانسانية والتنموية. كما أنه يستلزم مقاربة مدمجة من شأنها تقديم حل شامل ومستديم. وذكر أن الجزائر وكندا اللتان ترأسان مناصفة "مجموعة العمل حول تعزيز قدرات الساحل" عرضتا تقريرا مرحليا على أعضاء المنتدى. وبما أن الوضع في مالي يطغى على الاحداث الراهنة، فقد أشار السيد ساحلي إلى أهمية حل سياسي من أجل الخروج من الازمة، قائم على الحوار بين الحكومة المالية والمجموعات المتمردة التي تتخلى بشكل نهائي عن الارهاب والجريمة المنظمة والتي لا تشكك في وحدة مالي الترابية. وتأتي تصريحات الوزير في الوقت الذي تحظى فيه التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب باهتمام متزايد من قبل الشركاء الذين يعتبرون الجزائر "عنصرا فاعلا" في مجال مكافحة الارهاب على الصعيد الدولي. إذ تركز رؤيتها ليس فقط على الجانب الامني بل أيضا على السياسات التي تدعوالى السلم والمصالحة. كما هو الشأن لازمة مالي، حيث تدعو إلى تبني مبادرات من أجل تنسيق عمل دول المنطقة من أجل تعزيز الأمن بالمنطقة، مع التأكيد على ضرورة العمل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي الجواري تجاه السكان. وترى الجزائر أهمية أن يتركز التعاون بين دول المنطقة والشركاء الغربيين على المسائل المتعلقة بالمساعدة التقنية في مجال التكوين واكتساب تجهيزات الخبرة وتسيير الحالات الخاصة مثل تأمين المنشآت الصناعية والمناطق الاستراتيجية. وإذا كان الاهتمام بتجربة الجزائر في مكافحة الارهاب قد برز بشكل كبير عقب أحداث 11 ديسمبر 2001 من خلال زيارات وفود غربية إلى بلادنا، فإن هذه التجربة مازالت تحظى بهذا القدر من الاهتمام على مستوى الاجتماعات الدولية التي تعقد بشكل دوري، حيث تم الاجماع على نجاح التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب. مثلما يشهد بذلك مسؤولون من الولاياتالمتحدةالامريكية الذين يؤكدون على تميز التعاون والتنسيق الامني بين البلدين في التصدي لهذه الافة ودور الجزائر في إحباط العديد من العمليات الارهابية التي كانت تستهدف أرواح الابرياء.