انحنت كل من العائلة والأصدقاء والزملاء في النضال أول أمس الاثنين، بمقبرة الأب لاشيز بباريس، على روح الفقيد أندري علاق، من خلال تكريم مليء بالمشاعرنحو الشخص الذي ساهم في كل النضالات المناهضة للاستعمار، حيث كشف كتابه “المسألة” النقاب عن ممارسة التعذيب من طرف الجيش الفرنسي في الجزائر خلال حرب التحرير الوطني. وقد توفى هاري سالم، المعروف باسم أندري علاق، الذي اتخذه بعد انتقاله للعمل السري ومنع السلطات الاستعمارية صدور جريدة “الجزائر الجمهورية”، التي كان مديرا لها في 17 جويلية بباريس أي ثلاثة أيام قبل عيد ميلاده ال92 . وقد قدم الراحل في كتابه “المسألة” الذي يبقى بمثابة مرجع هام حول ممارسة التعذيب الذي سمح به في الجزائر خلال الحرب، شهادته حول التعذيب الذي تعرض له في سنة 1957 على يد مظليي الجيش الفرنسي. وفي هذا الصدد، صرح نجله أندري سالم أمام جمع غفير حضر للتعبير عن تعاطفهم مع أسرة الفقيد قائلا :« نتوجه أنا وشقيقي بشكرنا لكل الأشخاص الذين وجهوا لنا سواء من الجزائر أو فرنسا وبلدان أخرى رسائل تضامنية للتعبير عن الود والتقدير اللذين يكنوهما لوالدنا”. وفي رسالة وجهت لعائلة علاق قرأها جان سالم خلال حفل التكريم، أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أن أندري علاق سيترك ذكرى رجل قناعات مولع بقيم السلم والعدالة الاجتماعية والحرية ورقي الشعوب والكرامة الإنسانية”. أما جورج ترونال، وباسم جمعية موريس أودان، فقد أشاد”بمناهض التعذيب والمكافح من أجل الحقيقة حول وفاة رفيقه موريس أودان الذي تعرض للتعذيب وربما اغتيل على يد مظليين فرنسيين، في حين لا زالت الرواية الفرنسية تقتصر على (التهرب) وذلك بعد خمسين سنة من الأحداث التي أدانها أندري علاق في كتابه (المسألة)”. وأضاف، أن الفقيد كان”مناهضا للاستعمار ومكافحا من أجل استقلال الجزائر التي أصبحت وطنه، وقد أصبح أخا بالمعنى الثوري الذي أعطاه الثوار لهذه الكلمة والمعنى الذي يعرفه الجزائريون”. وصل أندري علاق لأول مرة إلى الجزائر سنة 1939، وانضم سنة من بعد إلى الحزب الشيوعي الجزائري، ليصبح أحد أعضائه إلى غاية حل الحزب سنة 1955. وأشرف على إدارة يومية “الجزائر الجمهورية” التابعة للحزب الشيوعي الجزائري من فيفري 1951 إلى غاية جويلية 1955، وهو التاريخ الذي تم فيه إغلاق الصحيفة. وفي شهر نوفمبر 1956 ولتفادي السجن الذي طال غالبية العاملين في الصحيفة، اضطر للانتقال للعمل السري. وبتاريخ 12 جويلية 1957 وفي خضم معركة الجزائر، كان مظليون تابعون للجيش الفرنسي في انتظاره بمنزل صديقة موريس أودان، الذي كان هو أيضا مناضلا في الحزب الشيوعي الجزائري الذي تم توقيفه عشية ذلك. وتوفي هذا المناضل الشاب بتاريخ 21جوان تحت التعذيب ومن تم تعرض للسجن والتعذيب. وتم اعتقال أندري علاق وأودع سجن بربروس، وحكم عليه في ال15 جوان 1960 أمام محكمة الدائمة للقوات المسلحة بشمال الجزائر بعشر سنوات من الأشغال الشاقة، بتهمة “المساس بالأمن الداخلي للدولة وإعادة إنشاء رابطة محلة”. وفي سنة 1961، استطاع علاق الفرار من سجن رين، وبعد أن التحق بالجزائر في أفريل 1962، أعاد تأسيس صحيفة الجزائر الجمهورية التي تم منعها مجددا سنة 1965. يعتبر علاق مناضلا في الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي ظل وفيا له إلى غاية وفاته وكان صحفيا بيومية “لومانيتي” من سنة 1960 إلى 1980، كما كان أمينا عاما لها. كان من الموقعين في ال31 أكتوبر 2000 على”نداء الاثنى عشر” الموجه لرئيس الجمهورية جاك شيراك وليونال جوسبان الوزير الأول، من أجل إدانة التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي في الجزائر. وأكد الموقعون على هذا النداء “أن التعذيب الذي هو شر كبير قد مورس بشكل واسع على يد (جيش الجمهورية) ويحظى بالتغطية في أعلى المستويات في فرنسا، كان ثمرة مسمومة للاستعمار والحرب وتعبيرا عن إرادة المستعمر المحمومة في القضاء على المقاومة”. وفي هذا الصدد، كتبت يومية لومانيتي غداة وفاة مناضل الحقيقة، أن “أفضل تكريم يمكن أن تقوم به الدولة الفرنسية لهذا المناضل، هو أن تعترف رسميا بالتعذيب في الجزائر وبجرائم الحرب”. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قد أكد أن كتاب الفقيد بعنوان :«المسألة” الذي نشر سنة 1958 في منشورات مينوي “قد أثارانتباه بلدنا إلى حقيقة التعذيب في الجزائر”، مضيفا أن “حياة أندري علاق كلها قد كرسها لإظهار الحقيقة”.