تصاعد التنافس بين الصحف البريطانية لتقديم محتوى مجاني متميّز على الأنترنت؛ كسبا لمزيد من المتصفحين، إثر فرض صحف أخرى رسوما مالية على الدخول لمواقعها الإلكترونية. وأطلقت صحيفة “ديلي ميرور” حملة لاستقطاب 27 مليون مستخدم من المتوقع أن يهجروا موقع صحيفة “صن” الشعبية بعد انضمامها إلى صحف “التايمز، وصندي تايمز، وفايننشال تايمز”، بفرض رسوم على دخول مواقعها على الأنترنت. وأعلنت صحيفة “صن” الشعبية البريطانية التي يملكها إمبراطور الإعلام روبيرت مردوخ، اشتراكاً مقداره جنيهين استرلينيين في الأسبوع للاطلاع على نسختها الإلكترونية، في حين يدفع قراء نسختها الورقية 3 جنيهات و20 بنساً كل أسبوع لشراء الصحيفة. وسوّغت إدارة الصحيفة الشعبية التي تصنَّف ضمن “الثقافة الواطئة” في الإعلام البريطاني مقابل “الثقافة العالية” التي تمثلها “التايمز” و“الغارديان”، قرار فرض الرسوم بارتفاع التكاليف، مع أنها توزع 2.3 مليون نسخة ورقية يوميا. ويتابع نسختها الإلكترونية 1.7 مليون زائر في اليوم، يتوقع ألا يستمر بنفس الوتيرة بعد فرض الرسوم المالية. وزار صحيفة “صن” على الأنترنت 29600000 مستخدم خلال شهر جوان الماضي، بينما وصل متصفحو “ديلي ميرور” إلى 29300000 مستخدم خلال الشهر نفسه. وعرضت صحيفة “ديلي ميرور” عشرة أسباب لإغراء القرّاء بتصفّحها على الإنترنت، منها تجديد المحتوى على مدار اليوم وتقديم تقارير رياضية متميزة، فضلا عن مقالات لكتّاب أعمدة مشهورين، وتتوقّع أن يتحوّل قرّاء الصحف التي فرضت رسوما إلى موقعها المجاني مستقطبة 27 مليون مستخدم. ويعوّل سايمون فوكس، الرئيس التنفيذي لشركة “ترينيتي ميرور”، المالك لصحيفة “ديلي ميرور”، على تحوّل القراء الساخطين على فرض رسوم إلى موقعهم المجاني. ووصف فوكس موقف شركته بالقوي للاستفادة من المستخدمين الذين لا يريدون دفع مال لمطالعة الصحف على الأنترنت، مشيرا إلى أنه عندما فرضت صحيفة التايمز رسوما على دخول موقعها الإلكتروني فقدت ما يقدَّر بتسعين بالمائة من متصفحيها، وأكّد أنّ “الانتصار” قد يكون لأيّ من الطرفين؛ “لأنّهم يريدون مالا مع عدد أقل من القراء، ونحن نريد قراء أكثر بتقديم محتوى مجاني”. وذكرت شركة “ترينيتي ميرور” أن إجمالي إيراداتها الرقمية وصل إلى 20.8 مليون جنيه إسترليني في الأشهر الستة الأولى من عام 2013. وكشفت مؤخرا عن استراتيجية لمضاعفة موظفيها في التحرير الرقمي وزيادة عدد من القصص التي نُشرت على شبكة الأنترنت في الأسبوع، إلى ألفي قصة إخبارية. وتوقع محلّلون أن تحتاج صحيفة “صن” إلى 30 ألف مشترك لتحقيق هامش نجاح على مدار السنوات الثلاث المقبلة، وتأخذ الحرب بين الصحف البريطانية نوعا آخر بعد عزوف القراء عن شراء الصحيفة الورقية ومتابعة الأخبار على الأنترنت. ويرى المحلل جدعون سبانير أنّ تخفيض أسعار الصحف الورقية لن يكون أكثر من مجرد إصلاح على المدى القصير بالرغم من أن سوق الإعلانات للصحف مازال متفوقاً على الأنترنت، فيما يرى استيف هاتش مدير شركة إعلامية أنّ سعر الصحيفة يمكن أن يكون أداة قوية في الترويج، وقد تؤثر على مستوى الأسواق المستقرة، واستبعد هاتش أن ترتفع عائدات الإعلانات في الصحف الورقية في الأجل القصير. وسبق أن تفوقت صحيفة “لندن إيفنينغ ستاندرد” التي توزع مجانا مساء كل يوم، على أشهر الصحف البريطانية في التوزيع، في إشارة إلى التنافس الورقي المجاني مع الإلكتروني. وتخلفت أشهر الصحف البريطانية المرموقة مثل “التايمز” و”الغارديان” في مستوى التوزيع وراء الصحيفة المسائية المجانية، حسب أحدث مسح أعلنته منظمة القراء الوطنية. وأشار المسح إلى أنّ صحيفة “لندن إيفنينغ ستاندرد” تمتلك الآن 1.6 مليون قارئ يومياً بزيادة مقدارها 260 ألف قارئ أو ما يعادل 16 في المائة سنوياً. وانخفض قرّاء صحيفة “ديلي ميرور” بمقدار 15 في المائة قياسا بفاقدة 217 ألفا من قرائها، فيما خسرت صحف “صنداي تلغراف” و«أندنيندنت أون صنداي” و”صنداي تايمز” و”ميل أون صنداي” 15 في المائة، 14 في المائة، 11 في المائة و7 في المائة من القراء على التوالي. ولم تكن الأنباء سعيدة كذلك لصحيفتي”أندبيندنت” و”فاينانشال تايمز” اللتين خسرتا 12 في المائة من قرائهما على حد سواء، وكانت المفاجأة في ارتفاع عدد قراء صحيفة “الغارديان” بنسبة 3 في المائة التي خفضت أعداد طبعاتها بنسبة 8 في المائة. وتبقى صحيفة “صن” الشعبية اليومية أكثر الصحف البريطانية توزيعاً. وسبق أن اعترف ناشرو صحيفة “التايمز”، أعرق الصحف البريطانية مع شقيقتها “صنداي تايمز”، بانخفاض عدد المستخدمين لموقعها على الأنترنت بعد فرض رسوم مالية على دخوله. وقال الناشرون في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، بأن عدد زائري الصحيفتين انخفض بنسبة 87 في المائة منذ فرض الرسوم في جويلية عام 2010. وفي الوقت الذي يخفف فيه معدو دراسة حول وسائل الإعلام من وطأة اقتراب لفظ الصحافة الورقية لأنفاسها الأخيرة، يشيرون إلى زلزال في الوسائل والطرق التي يستطيع بها المتلقي أن يعرف ماذا يحدث في العالم، وأنّ دور أو نفوذ الصحفي “كحارس بوابة” حول ما يعرفه أو لا يعرفه الناس أخذ في التقلص. كما أنّ القارئ للمادة الإعلامية يريد أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في تجميع وتحرير واختيار وأحيانا خلق تلك الأخبار، والأهم أن الجمهور يبتعد عما يمكن تسميته بالميديا القديمة مثل التلفزيون “نعم التلفزيون” والصحف، متوجّها إلى الميديا الجديدة أي الأنترنت، ومن هنا تأتي ضرورة وأهمية أن يقوم الصحفي بتطوير وتحديث أدواته وتحديد تلك المبادئ والقيّم التي يريد أن يدافع عنها ويحميها في المستقبل. ويبدو أن أسئلة المنافسة القائمة بين ما يسمي ب “الميديا القديمة” الصحف اليومية التي تُرمى جوار باب المستهلك، و”الميديا الحديثة” التي تمنح المتلقي الأخبار مع توقيت ساعته أينما كان؛ في القطار أو العمل أو المنزل أو على سرير الزوجية، تشتد إلى الحد الذي لا يمكن اللحاق بالمنتصر فيها.