ما إن أطلق الحكم السينغالي ديابتي صافرة نهاية لقاء منتخبنا الوطني بنظيره البوركينابي؛ بتقدم فرساننا بهدف المدافع القوي مجيد بوقرة، والتي كانت تعني تأهلهم لنهائيات كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخ الكرة الجزائرية، حتى أطلق أنصار ”الخضر” الوهرانيون ومن مختلف الأعمار، عنان فرحة هيستيرية عبر كامل شوارع وأحياء مدينة وهران. واختار أغلبهم التجمع في بعضها، وبالتحديد الأحياء الشعبية، المعروفة بولعها وإدمانها الشديدين على الكرة المستديرة، هاتفين بحياة الفريق الوطني وصانعي فرحته؛ من اللاعبين والطاقم الفني بقيادة المدرب وحيد حليلوزيتش، حاملين صورهم والأعلام والرايات الوطنية من المقاسات، والتي بذلوا جهودا وإنفاقا ماليا معتبرا لصنعها وتزيين أحيائهم وشوارعهم وعماراتهم وبيوتهم بها، ومرددين الأغاني الرياضية التي تمجّد إنجازات الفريق الوطني وأمجاده، والتي غرق فيها الشارع الوهراني، مسجَّلة في أقراص مضغوطة أقبل على اقتنائها بنهم كبير، وهذا منذ إسدال الستار عن لقاء الذهاب في واغادوغو، وما ميّزه من وجه طيب ل ”للخضر” وإجحاف تحكيمي في حقهم، دون نسيان زغاريد النسوة المنطلقة من البيوت وشرفات العمارات والألعاب النارية التي تفنن الوهرانيون في الاحتفال بها. ومن بين الذين خرجوا للشارع زين الدين الطالب الجامعي بجامعة العلوم والتكنولوجيا ”محمد بوضياف” بوهران، الذي قال لنا بهستيريا: ”نستحق مليون مرة التواجد في البرازيل؛ فأبناء ”السامبا” يعرفون الكرة الجزائرية، ويتذكرون تلك المباراة التاريخية التي لعبناها ضد منتخبهم عام 1986 بالمكسيك أيام الكبار بلومي وماجر وعصاد وغيرهم، والعام القادم سنقدم عليهم بجيل آخر من اللاعبين الجزائريين لا يقلون قيمة واقتدارا عن أسلافهم، وسنكون معهم في البرازيل بأجسادنا وبكل عواطفنا وهواجسنا”. أما محمد، صاحب متجر والذي فضّل الإبقاء عليه مغلقا، واستقل سيارته المزينة بالأعلام الوطنية رفقة أبنائه، متخذا من شارع واجهة البحر مقصدا له كعشرات السيارات فقال: ”كنت متأكدا من تأهل ”خضرنا” إلى مونديال البرازيل، فنحن نستحقه ونستحق أن نفرح، والحقيقة أن الحكم الزامبي هو الذي أجّله بتحكيمه السيئ في لقاء الذهاب، لكن هناك عدالة إلاهية في السماء، و«نيف” جزائري في الأرض، أسعدنا اليوم وغدا وإلى غاية الصائفة القادمة، ويكفينا فخرا أننا المنتخب العربي الوحيد الذي سيمثل العرب والمسلمين في نهائيات كأس العالم للمرة الثانية على التوالي”. أما العجوز ”لعالية” التي فضلت الخروج إلى الشارع والانضمام إلى مجموعة من الشباب الفرحين والمشكّلين حلقات دائرية، قاطعين الطريق يرقصون ويغنون بقوة وفي انسجام صوتي وجسدي كبيرين مع الأغاني المنبعثة من بيت محاذ لهم، فالتفتت إلينا وعيناها مغرورقتين بالدمع لتقول: ”هكذا فعلنا يوم استقلال الجزائر الغالية، وإن استقلالا آخر يصنعه أبناؤنا اليوم؛ ”الله يحفظهم ويزيد فيهم، اعذروني لم تبق لي قوة حتى أتحفكم بزغاريد، لكن أطلقوها أنتم، لا يهم إن جاءت منكم أنتم الرجال، اليوم هو عرس الجزائريين والجزائر قاطبة”. وتواصلت أفراح الوهرانيين بإنجاز الفريق الوطني وتأهله إلى نهائيات كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخة إلى غاية الصباح، وطبعا مع وعود ببرمجة جلسات وحلقات خاصة بهم في الأزقة والشوارع والمقاهي وحتى مكاتب العمل، كل واحد يدلو بدلوه لتحليل حيثيات اللقاء والإنجاز ككل، وهذا لأيام؛ مترقبين عملية القرعة المزمع إجراؤها في السادس من شهر ديسمبر القادم. وكانت مدينة وهران قد لبست وتزيّنت بالألوان الوطنية الزاهية طيلة أيام، ومنذ إسدال الستار عن لقاء الذهاب بواغادوغو البوركينابية، معبرين عن ولائهم التام لكل من يمثل هذا الوطن الغالي، متنافسين في صنع مظاهر هذه المساندة والولاء من أعلام كبيرة وطويلة، وتعليقها في العمارات وشرفتها، والأحياء والشوارع التي نُصبت بها شاشات عملاقة لمتابعة أطوار المباراة المصيرية في أجواء حماسية، لا يتقن صنعها غير الجزائريين؛ حبا وإكبارا، غير آبهين إن تواصل سقوط أمطار الخير وبغزارة وبلّلتهم من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، بل وذهب الأمر ببعض المواطنين بحي الحمري العتيق، إلى قطع وعود أكيدة بإقامة ولائم وتقديم أطباق الكسكسي في حال تأهل ”الخضر” لمونديال البرازيل، غارفين من تلك العادة الضاربة في جذور المؤازرة الوهرانية للفريق الأول في المدينة المولودية، والتي جرى على إقامتها أنصاره ومحبوه بمعقلهم الرئيس ”الحمري” كلما بصم على إنجاز كروي وطني. فعاشت الجزائر، وشكرا ل ”الخضر” على إسعادنا وإخراجنا بالملايين، والقادم نتمناه موازيا أو أفضل إن شاء المولى عز وجل.