إثبات هوية مجهولي النسب مرهون بتعديل المادة 40 من قانون الأسرة التشبث بالدليل العلمي المتمثل في فحص "ألا. دي. ان" هو السبيل الوحيد الذي يمكّن الأطفال المسعفين من الحصول على هويتهم والتمتع كغيرهم بكل الحقوق في حال عثورهم على ذويهم، وهذا لن يتحقق حسب المحامية ابن براهم إلا بتغيّر عبارة "يجوز" بقانون الأسرة بالمادة 40 إلى "يلزم"، ليتم وضع حد أمام القضايا العديدة المتعلقة بإثبات النسب. دفعت القضايا الكثيرة المتعلقة بإثبات النسب بالمحامية ابن براهم، إلى طلب مراجعة قانون الأسرة وتحديدا المادة 40 منه باعتبارها ضرورة، حيث قالت بمناسبة مشاركتها في اليوم الدراسي الذي نظمته جمعية "الطفل البريء" المتعلقة بالدفاع عن حقوق الأطفال من دون هوية: "الإشكال الكبير الذي يطرح اليوم أمام المحكمة، أن هؤلاء الأطفال عند اكتشافهم لحقيقتهم، يدخلون في رحلة البحث عن هويتهم، ولحسن الحظ، يتمكن عدد كبير منهم من إيجاد الوالد أو الوالدة، غير أنه يوم يتقدم أحدهم إلى العدالة بغية طلب الحصول على هويته من خلال إلزام الأب بإجراء فحص، وهنا يشير القاضي إلى عدم التأسيس كون المادة 40 من قانون الأسرة لا تلزمه بإجراء الفحص، لأنها مادة جوازية، حيث جاء فيه (يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول، طبقا للمادتين 33 و34 من هذا القانون، ويجوز للقاضي في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، اللجوء إلى الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب"، ومنه، تظل قضايا إثبات النسب على الرفوف، بينما يعيش الأطفال حالة من الصراع النفسي والاجتماعي لإثبات الهوية". وترى المحامية ابن براهم أن تغيّر المنظومة القانونية يتطلب وجود هيئات تدعو إلى ذلك، من أجل هذا تقول: "يوم قصدتني السيدة وهيبة تامر، وهي مسعفة، وطلبت مني توجيهها من الناحية القانونية لتأسيس جمعية شجعتها، وأعمل اليوم على دعمها قانونيا لنتمكن على الأقل من وضع حد للإشكالية الكبيرة المطروحة فيما يخص الأطفال من دون هوية، وإن كنت أرفض أن أطلق عليهم هذه التسمية، ففي اعتقادي كلنا بشر نولد بنفس الطريقة ومن ثمة لا مجال للتمييز بين من يملك نسبا ومن لا يملكه، لأنه مرفوض حتى في الشريعة الإسلامية التي لو نطبقها لوجدنا أنها أحسنت التعامل مع هذه الفئة، ولعل قصة المرأة الغامدية التي قصدت الرسول عليه الصلاة والسلام وطلبت منه معاقبتها كونها حملت من رجل غير زوجها لعبرة كبيرة، إذ أقر بشجاعتها ووضع طفلها بين أيدي أمينة ليتم التكفل به رغم أنه ابن زنا، "من ثمة تضيف "الإسلام ضمن إنسانية الأفراد، وسوى بينهم على خلاف القانون الوضعي الذي أجحف في حق هذه الشريحة وجعلها تقف عاجزة أمام تطبيق نص قانوني يحرمهم من أعز حق يمكن لأي فرد أن يفخر به وهو النسب، هذا الأخير الذي لا يمكن تأكيده إلا بطريق واحد وهو الدليل العلمي". بكل جرأة وشجاعة، وقفت السيدة وهيبة تامر وعرضت أمام الحضور بقاعة المحاضرات ببلدية القبة قصة كفاحها من اليوم الذي اكتشفت فيه أنها طفلة مجهولة الهوية، حيث قالت بأن الخطاء الكبير الذي يقع فيه الكافل هو إخفاء الحقيقية عن المكفول الذي يتعرض لصدمة نفسية قوية، قد تغير مجرى حياته لحظة اكتشافه أنه مجهول الهوية، ورغم أنني تردف "وجدت من يتكفل بي ويضمن لي على الأقل حق المبيت في منزل آمن، إلا أن الحرمان الذي عشته والغضب الكبير الذي أحمله تجاه والدتي البيولوجية التي تخلت عني، جعلني أرفع التحدي وأقرر تأسيس جمعية تقف إلى جانب هذه الفئة المظلومة اجتماعيا لذنب لم ترتكبه، لأنها لا تملك نسبا كغيرها من سائر أفراد المجتمع". من بين الأهداف التي سطرتها السيدة وهيبة تامر بعد حصولها على اعتماد تأسيس الجمعية في 8 أوت 2012، الوقوف إلى جانب الأطفال مجهولي النسب والتكفل بمشاكلهم وانشغالاتهم، إلى جانب مناهضة العلاقات غير الشرعية ومحاربتها بكل الطرق المتاحة حتى لا يولد طفل آخر يقال عنه "مجهول النسب"، وتوضح "اخترت عمدا تسمية الجمعية بالطفل البريء، لأن الأطفال الذين يولدون من آباء مجهولين أبرياء، ومع هذا يقف القانون والمجتمع في وجههم ليدينهم بذنب لم يرتكبوه". وكان من بين المشاركين باليوم الإعلامي؛ الأستاذ كمال شكات، عضو بجمعية العلماء المسلمين، ارتأى بدء حديثه عن الأطفال مجهولي النسب بقول المولى عز وجل في كتابه العزيز، بعد باسم الله الرحمان الرحيم ".... فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ" في إشارة منه إلى أن هذه الفئة يحق لها أن تعيش في المجتمع كالبقية، حتى وإن كانت مجهولة الهوية، خاصة أنهم ينتمون إلى نفس البيئة ويعتنقون نفس الديانة، وهي الإسلام، بالتالي لا مجال مطلقا لفتح نافذة التفرقة وإطلاق أسماء مختلفة على أشخاص يتمتعون بنفس الحقوق". يعتقد الأستاذ كمال أن الأطفال من دون هوية، مشكلة دينية أكثر منها قانونية، فلو أننا يقول نعود إلى الشريعة الإسلامية ونعاود دراسة وضعية هذه الفئة والكيفية التي تناولها القرآن الكريم، وكيف عاملهم النبي عليه الصلاة والسلام لتمكنا من إيجاد حل لكل المشاكل التي يعانون منها. وفي اعتقادي "ما نحن بحاجة إليه في ظل عدم التقيد بفحوى الشريعة الإسلامية، هو تضافر جهود رجال القانون، مع الأخصائيين النفسانيين وعلماء الاجتماع في سبيل تغيير واقع هذه الفئة من ناحية، والرجوع إلى تفعيل الكفالة بغية تمكينهم من العيش في محيط أسري يعوضهم الحنان والدفء العائلي المفقودين". من جهتها، ترى تيجاني أستاذة في علم الاجتماع أن تحقيق مبدأ الأخوة التي دعانا إليها الإسلام، مع تمكين مجهولي النسب من الاندماج في المجتمع لا يتحقق إلا بتفعيل النقاط الثلاث، وهي توعية الأفراد والأسر بضرورة التكفل بهؤلاء من منطلق أنه لا ذنب لهم مع وجوب معاملتهم معاملة حسنة حتى لا تكبر بداخلهم عقدة الكراهية تجاه مجتمع أساء معاملتهم، أما النقطة الثانية، فتتمثل في وجوب رسم استراتيجية واضحة الأهداف تضمن لهم كرامتهم بعد بلوغهم سن الرشد، كون الواقع يقضي بأن يتم توجيههم إلى الشارع بعد بلوغهم سن 18 سنة، ما يدفع بالأغلبية إلى الانحراف في ظل شح الكفالة، وأخيرا تسهيل اندماجهم في المجتمع عن طريق إزالة الفوارق بينهم وبين غيرهم، خاصة أن كل البشر يولدون من أب وأم حتى وإن تم التخلي عن بعض الأطفال، فالأكيد أن لديهم والدين كغيرهم.