من أنت؟ من أبوك؟ ما اسمك؟ هي أسئلة ربما تكون طبيعية بالنسبة لنا، لكنها بالنسبة للبعض هي عقبة حياة وأرق دائم ينغص حياتهم رغم أنهم لا ذنب لهم سوى أنهم أتوا لهذه الحياة. إن كان المجيء إلى الحياة يعد ذنبا، يدعون الأطفال مجهولي الهوية أو مجهولي النسب، لأنهم ببساطة ولدوا خارج المؤسسة الزوجية. يأتي هؤلاء الأطفال إلى هذه الحياة وتبدأ معاناتهم مع أول يوم تلمس وجوههم البريئة أنوار الدنيا، وتزيد هذه المعاناة كلما تقدموا أكثر في الحياة، لتشتد الحاجة إلى الإجابة عن تلك الأسئلة وينموا إحساسهم بأنهم ليسوا كالجميع؟ وتتعقد أمور حياتهم، فمن ذا الذي في قلبه رحمة ليعترف بخطيئته.. فهؤلاء لا يريدون لا مال ولا جاه، وإنما الاسم الذي هو حق مقدس. إن الحديث عن الأطفال مجهولي النسب هو موضوع شائك، رغم أنه يطرح نفسه بحدة، خاصة مع التزايد المقلق للظاهرة، حيث تتحدث الأرقام حسب ناشطين في هذا المجال عن 3000 إلى 5000 طفل مولود خارج إطار الزواج في الجزائر، ويعتبر البعض أنه لا زال من الطابوهات ولا توجد أرقام أكثر دقة، خاصة من ناحية توزيعها الجغرافي حتى يتسنى للجمعيات المهتمة برصد مشاريع وقاية في هذا المجال. الاهتمام بهذه الفئة لا زال غير كاف ورغم أن الدولة رصدت إمكانيات هامة للتكفل بهؤلاء الأطفال، سواء من الناحية القانونية أو المادية أو الاجتماعية، إلا أن المختصين والمهتمين يرون أنها لا زالت بعيدة عما يجب القيام به للحد من انتشار الظاهرة وانتشال هؤلاء من المعاناة، حيث تقف عوائق كثيرة في وجه تطبيقها. وفي هذا الجانب، يقول البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس المؤسسة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، إن هناك العديد من الإجراءات المتخذة للتقليل من الظاهرة، فالقانون يسمح للوالدة خلال ثلاثة أشهر بعد الولادة أن تطلب ولدها وتأخذه، وإلا يبقى في المستشفى ثم يبعث إلى مركز حضانة. كما أن قانون 1992 يسمح بالتكفل به، لكن على أرض الواقع كما أضاف هناك مشاكل إدراية تعوق التكفل بهؤلاء الأطفال، منها الوقت الذي يتطلبه دراسة الملف. وهنا، يطرح مشكل مكوث الطفل في الحاضنة وصعوبته، حيث أنه كلما بقي الطفل وقتا أكبر في الحاضنة، أثر ذلك على نموه الجسدي والعاطفي، ما يحتم ذلك التعجيل بكفالته. فكلما كان ذلك مبكرا، كلما كان نموه أقرب للحالة الطبيعية. كما أن موضوع الكفالة يعتبره آخرون لا يلبي حاجيات هذه الشريحة، حيث يبقى الضغط النفسي على الطفل، لأنه في كل الأحوال سيحس بأنه ليس كالآخرين، ويطالبون بإجراءات أكثر عمقا. وفي هذا الخصوص، يطالب حسين نية عضو الجمعية الجزائرية للطفولة وعائلات الاستقبال المجاني التي استطاعت منذ 25 سنة من إنشائها، إدماج أكثر من 2000 طفل لدى عائلات الاستقبال المجاني، وزارتي العدل والداخلية ببذل المزيد من الجهد لإقرار قانون يسمح للعائلات التي تكفل أطفالا يتامى أو المولودين خارج الزواج الشرعي بتسجيلهم على الدفتر العائلي، مع الإشارة إلى أنهم مكفولون من قبل العائلة. تحليل الحمض النووي.. أمر لا بد منه وبين هذا التضارب في الأرقام وهذه المطالب، تبرز أهمية اللجوء لطريقة تحليل الحمض الريبي النووي، الذي تقول المحامية فاطمة بن براهم إن نسبة نجاعة هذه الطريقة لتحديد أبوة الطفل الذي ولد خارج إطار الزواج هي 99.99 بالمائة. ورغم أن القانون كما تقول يسمح باللجوء إلى هذه الطريقة، إلا أنه يقف على جواز القاضي، ودعت في هذا الخصوص إلى تعديل المادة رقم 40 من قانون الأسرة لكي يصبح استعمال الطرق العلمية لتحديد هوية الأطفال إجباريا، واعتبرته أحد الحلول لإثبات النسب. واعتبر مصطفى خياطي طريقة تحليل الحمض النووي للتحقق من هوية الآباء، مهمة لتقليص حالات عدد كبير من هؤلاء الأطفال بإعطائهم أسماء أوليائهم الحقيقيين، كما يمكن من الناحية الاجتماعية خلع الشوكة التي تعيق إيجاد عائلات لهؤلاء الأطفال حتى تحتضنهم. هذا الطرح يشاطره عبد الرحمان عرعار، رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى"، حيث أشار إلى أهمية إدماج تحليل الحمض النووي في تحديد أصول الطفل الذي ولد خارج الزواج، خاصة وأن الرقم الذي يتحدث عن عدد هؤلاء الأطفال أصبح مقلقا، حيث قال إنه بلغ 3000 طفل سنويا في الجزائر. وبينما شدد عرعار على ضرورة التعجيل بإيجاد الحلول للحد من تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة، اعتبر موضوع الكفالة أنها آلية ممتازة لمعالجة مشكل الأطفال مجهولي الهوية، لكن كما قال ينقصها المرافقة اللازمة للفئات التي يتم وضعها عند العائلات، مطالبا بوضع هيئة العائلة التي تختص في مرافقة ومتابعة نمو هؤلاء الأطفال إلى غاية بلوغهم سن 18 سنة. لكن في الأخير، نجد أنفسنا أمام سؤال ملح وهو: هل اللجوء إلى الوسائل العلمية ومنها تحليل الحمض الريبي النووي يكفي وحده لحل مشكل هؤلاء الأطفال الأبرياء؟ وإلى غاية الإجابة عن هذا السؤال، يبقى هؤلاء الأطفال يعانون في صمت، ويحتاجون إلى مساعدة المجتمع الذي يجب أن يكون واعيا بحجم المسؤولية الملقاة عليه.