خريج الجامعة الجزائرية معهد إعلام واتصال تخصّص سمعي بصري، فلسطيني الأصل وفيّ للجزائر، محبّ لأهلها، الذين هم أهله أيضا، اختار التلفزيون الجزائري كقناة لتكون نافذة مفتوحة على ما يجري في عمق الأرض المحتلة، يعمل وسط خطر القصف والدمار وتهديدات كيان ظالم محتل لم يرحم طفلا ولا شيخا ولا امرأة ، مسبّلا للاستشهاد في أية لحظة مساندا شعبه رافضا ترك بلده في عزّ المحنة، ليتحول إلى رمز للصحفي النزيه الكفء الجدير باقتحام معترك ساحة مهنة المتاعب، شخصية هذا العدد متواضعة، معطاءة، تعمل في وسط محفوف بالمخاطر لا تهاب تعذيبا ولا موتا، تحمل قضية الأمة العربية برمتها ألا وهي القضية الفلسطينية، الجرح العربي الذي لازال ينزف وما من مضمد! وسام أبو زيد مراسل التلفزيون الجزائري من الأراضي المحتلة منذ سنة 2006 هو ضيف “المساء” لهذا الأسبوع، الحوار معه ذو شجون إذ تطرقنا لظروف عمله في فلسطين مستفسرين عن أحوال إخواننا في غزّة والضفة والقطاع، متسائلين عن مدى عمق العلاقة التي تجمعه والشعب الفلسطينيبالجزائر، وسر عشقه لها، كل هذا وأكثر ستجدونه في هذا الحوار الذي انفردت به “المساء”: ”المساء”: يتشوق الكثير من الجزائريين لمعرفة من يكون وسام أبو زيد... الصحفي وسام أبو زيد: وسام شاب فلسطيني متزوج أب لثلاثة أطفال، رزقت بمولودة جديد مؤخرا مقيم بغزة، درست بمعهد الإعلام والاتصال هنا بالجزائر، هذا البلد الذي أعتبره بلدي وأكن له ولشعبه كل الحب والاحترام، وهو البلد الذي علّمني وكان سببا في نجاحي وتخرجي من معهد الصحافة، لأزاول المهنة وأعمل كمراسل للتلفزيون الجزائري من فلسطين، وأبقى وفيا للجزائر التي لن أنسى فضلها علي وعلى بلدي الجريح فلسطين .. قنوات عديدة لاشك أنها طالبتك بالانضمام إليها، فما الذي يجعلك متمسكا بالتلفزيون الجزائري دون القنوات الأخرى؟ المفترض أن يكون الصحفي صاحب رسالة، وأنا أحمل همّ القضية الفلسطينية، همّ شعبي الذي يعاني القهر والدمار فما من لحظة تمر، إلاّ ويموت فيها أبرياء من أطفال وشيوخ ونساء والجزائر هي الأخرى تحمل همّ القضية الفلسطينية وتدعّمها وهي البلد العربي الأكثر مساندة للقضية الفلسطينية والبلد الذي لا يبخل على فلسطين بالدعم المعنوي والمادي، وأنا صراحة أميل للجزائر كثيرا ففلسطينوالجزائر ذاقا معاناة واحدة ومن باب الحس الوطني اخترت القناة الجزائرية لأعمل لصالحها كمراسل، هذه القناة التي تتميز بكوادرها الأكفاء وبمصداقيتها واحترافيتها العالية، وبالتفاتتها المستمرة وحرصها على أن تكون فلسطين دائما في الواجهة وتسمي المسميات باسمها، الشهيد شهيدا والضحية ضحية والجلاد جلادا، فشرف كبير لي شخصيا أن أنتمي لهذه القناة المميزة، ولهذا الوطن المعطاء بلد المليون ونصف مليون شهيد الذي نستمد نحن الفلسطينيون من ثورته القوة والبسالة والصمود والإصرار على التحرر من قيود الكيان الصهيوني المتكبر مهما كلف الثمن. أنت اليوم سفير بلد أسير، فهلا وصفت وقدّرت لنا حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون هناك.. صدقيني مهما تكلّمت ووصفت وقدّرت حجم معاناة الشعب الفلسطيني أجدني عاجزا عن ذلك، فالشعب الفلسطيني يعاني الأمرّين، هو محروم من أبسط حقوقه محروم من الماء من الكهرباء من الزاد من الإمدادات محروم حتى من الهواء، هلاك ودمار وأشلاء هنا وهناك، أناس يموتون في كل دقيقة دون ذنب أو جريرة، نساء وشيوخ في السجون يعذبون على يد اليهود حتى الأطفال الأبرياء لم يسلموا من الاعتقالات؟ إذ هناك أطفال يسجنون في بيوتهم سنة وتزيد ويحرمون بذلك من الدراسة لمجرد الرشق بالحجارة؟ الوضع هناك صعب جدا جدّا، لكن الشعب صامد ومصمّم على البقاء في أرضه وعلى أخذ حريته مهما كلّفه الثمن باعتبار أن الحرية تؤخذ ولا تعطى.. أن تكون مراسلا من بلد تحيط به نيران القصف والدمار التي تلتهم الكبار والصغار، ألا يتطلب ذلك منك شجاعة الأبطال؟ ربّما رأى الكثير في عملي كمراسل من فلسطين شجاعة، لكني أراها مهمة مقدّسة وواجبة فأنا أولا وأخيرا ابن فلسطين، هذا البلد الذي له حق عليّ، فأنا أناضل بطريقتي وأنقل معاناة بلدي وأسعى لإيصال ما يكابده للعالم وأعمل دائما على أن أكون في قلب الحدث، أنقل الحقائق كما هي، فاضحا أساليب الكيان الصهيوني المستعمر وفي عملي هذا أجد نفسي، أجد كياني،أجد إنسانيتي وانتمائي وولائي لوطني ولشعبي الذي يرى في لسان حاله والمعبّر عن آلامه مسراته وأحزانه. مهمة المراسل الصحفي من بلد تحت القصف وسيطرة استعمار يهودي غاشم ليست قطعا بالسهلة، فكيف تتمكنون من إنجاز هذه المهمة الصعبة على أكمل وجه؟ بالفعل المهمة ليست سهلة نهائيا، فالرقابة الصهيونية دوما حاضرة ومشدّدة، وليست لدينا أية تسهيلات، بالعكس فالصحفي مستهدف أكثر من غيره، فنحن نتحايل أحيانا كثيرة ونجازف بأرواحنا لأجل أن تعلو كلمة الحق وأن يسمع صوت الشعب الفلسطيني ويدوي في العالم بأسره، وللخبرة الصحفية طبعا دورها في إنجاز وإنجاح مثل هذه المهام الصعبة التي نسبّل لها أرواحنا قربانا لفلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة والمدينة، مسرح النبوات وزهرة المدائن، وموضع أنظار البشر منذ عصور خلت ومازالت إلى يومنا هذا رغم الحصار والدمار أعرق المدن وأكثرها شموخا ووقارا، وسنظل ننجز مهامنا إلى أن تتحرر بإذن الواحد الأحد بفضل كفاح أبنائها ومساندة الإخوة العرب وعلى رأسهم الجزائر شعبا وقيادة وإعلاما... هذا يعني أنّك ستبقى وفيا لرسالتك ولبلدك ولن تهجره كما فعل الأخرون؟ أبدا لن أتخل عن رسالتي ولن أهجر بلدي، ولن أترك فلسطين حتى تفارق روحي بدني مهما كانت المغريات والبدائل فليس لي عن بلدي بديلا... ما سرّ عشق الفلسطينيين للجزائر وشعبها؟ هو السؤال الذي يطرحه الكثير من العرب الذين يجهلون قيمة الجزائر، فهل لوسام تفسير عمق العلاقة التي تجمع بين الجزائروفلسطين؟ الجزائر بلد الثوار الأحرار، بلد الطيبة والإحسان ومعظم الفلسطينيين درسوا بالجزائر، ومنهم أنا ونالوا شهادات عليا مكّنتهم من العمل والنجاح، والجزائر هي من ساند ودعّم فلسطين ووقف إلى جانب شعبها ولم تتخل عن واجبها ليومنا هذا، للجزائر أفضال كثيرة على بلدي وشعبي، وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان؟ فالشعب الفلسطيني كريم أيضا ومقدر للشجاعة والكرم والجزائر ملكته بكرمها وصمودها معه في أحلك الظروف وأشد المحن فكيف لا نعشقها؟ في خضم المآسي استطاعت الجزائر أن ترسم الفرحة على شفاه الإخوة الفلسطينيين الغائبة عنهم منذ أمد، لتعود وترسم ولو لساعات بعد تأهل المنتخب الجزائري للمونديال، وقد نقلت لنا الأجواء من غزة فكيف جاءت فكرة نقل الأجواء من هناك؟ لا يخفى على أحد شدة تعلّق الشعب الفلسطيني وحبه للجزائر وشعبها كما سلف وأن ذكرت، فنحن نعتبر شعبا واحدا تجمعه معاناة استبداد طويل وطيبة شعب أصيل ويوم المباراة طلب مني الشباب أن آتي لأصور الأجواء وكلّهم تفاؤل بتأهّل “الخضر”، وبالسلام الجزائري بدأ الفلسطينيون رحلة تشجيعهم للمنتخب الوطني الجزائري رغم المعاناة، الحصار وانقطاع الكهرباء، وكلّهم ثقة بمحاربي الصحراء فانشدت الأعصاب بعد إهدار العديد من الفرص، وبقى الأمل يراود الفلسطينيين في تحقيق المراد وأن يرفع البلد العربي الوحيد علمه في البرازيل بعد أن غيّبت الهزائم باقي الدول العربية ليأتي الهدف الحاسم وتتعالى الهتافات والأصوات ب “وان .تو تري فيفا للجيري” من حناجر الشباب الفلسطيني ليرتقي المشهد لأكثر من مباراة في كرة القدم بين فريقين ليصل لتجسيد مدى الارتباط الوطيد بين الشعبين الفلسطينيوالجزائري في كل المواقف، المفرحة منها والمحزنة وحتى في المحن فرسمت بذلك الفرحة على وجوه غيّبت منها الفرحة منذ مدة وكانت الجزائر هي مصدر هذه الفرحة .. العام الجديد، هلّ علينا لا شك تبقى الحرية أغلى أمنية؟ أكيد الحرية تبقى أغلى أمنية فكلّ ما أتمناه ويتمناه شعبي هو أن تتحرّر فلسطين وأن يتوحّد العرب وتزول الخلافات وتمحى الأحقاد وننعم بالأمن والسلام، ويكون هذا العام فاتحة خير علينا وعلى الأمة الإسلامية، وبالمناسبة أعايد على الشعب الجزائريوالفلسطيني وكل زملائي وزميلاتي الإعلاميين أينما كانوا، وأخصّ بالمعايدة مسؤولي وصحفي التلفزيون الجزائري دون أن أنسى جريدة “المساء” شاكرا إياها على الالتفاتة واللقاء شكرا وإلى الملتقى من غزة ...