يدور الحديث كثيرا حول غياب النواب عن جلسات مناقشة مشاريع القوانين، لكنّ الكل ينتقد، ولا أحد بحث عن سبب هذا الغياب. انتقلنا إلى مقر المجلس الشعبي الوطني حاملين هذا السؤال بحثا عن الحقيقة والإجابةِ عن السؤال: هل هذا الغياب هو تهاون من النائب، أم تفرضه ارتباطات والتزامات هي في صلب نشاط ودور النائب؟ نواب الغرفة السفلى للبرلمان الذين التقيناهم، أرجعوا غياب عدد كبير منهم عن جلسات النقاش العام، لأجندة عملهم المكثفة خلال هذه الدورة الخريفية للمجلس، التي تميزت ببرمجة عدة مشاريع قوانين، مما يتطلب السهر على دراستها في اللجان، وتحضيرها في وقتها، وغيرها من النشاطات، المتمثلة في الزيارات الميدانية داخل وخارج الوطن، لنقل انشغالات المواطن وتعزيز التعاون البرلماني الدولي، وهو ما يحول دون التوفيق بين حضور الجلسات العامة والمشاركة في اللجان. وقد برّر العديد من نواب المجلس الشعبي الوطني، تغيّبهم عن الجلسات العلنية المخصَّصة لمناقشة مشاريع القوانين، بكثافة برنامج عملهم، الذي يتطلب منهم العمل في نفس توقيت الجلسات، كدراسة مشاريع القوانين قبل عرضها للنقاش في اللجان المعنية، وإلزامية حضورهم في مداوماتهم الولائية لاستقبال المواطنين، وهو ما يبدو لمن يتابع سير الجلسات، بأن النواب غائبون، وهم في الحقيقة يشتغلون في اجتماعات اللجان. وأوضحت السيدة العرفي أوريدة، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني مكلَّفة بالعلاقات العامة، في حديث مع ”المساء”، أن عدة أطراف تنتقد النواب عن جهل؛ بسبب ما تسميه تغيّبهم عن جلسات المجلس، دون أن تعرف السبب الحقيقي لهذا الغياب، الذي وصفته ب ”المبرَّر”، والذي هو موجود في كل برلمانات العالم؛ حيث أكدت النائب عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أن النواب مجبَرون على فتح مداومات بالولايات التي ينتمون إليها لاستقبال المواطنين والتكفل بانشغالاتهم، وهم مجبَرون أيضا على التواجد بهذه المداومات مرتين في الأسبوع؛ الأمر الذي يجعلهم يتغيبون عن جلسات المجلس عندما تتزامن مع أيام استقبالهم للمواطنين، من جهة، بالإضافة إلى ”الضغط الذي يعيشونه”؛ نظرا لكثافة مشاريع القوانين التي تُطرح عليهم من طرف الحكومة، لدراستها وإثرائها قبل عرضها للمناقشة أمام كل النواب؛ حيث يقوم النواب الذين ينتمون للجان معيّنة والذين يتراوح عددهم ما بين 50 و60 نائبا في كل لجنة، بدراسة مشروع قانون معيّن واستقبال الخبراء لإثرائه أحيانا في نفس الوقت الذي تجري فيه جلسات نقاش مشاريع قوانين أخرى من جهة ثانية، وهو ما يجعل هؤلاء النواب يتغيّبون عن الجلسة، لكن ليس غيابا من أجل الغياب، كما يبدو للبعض. كما برّرت محدّثتنا تسجيل غيابات في جلسات المناقشة والمصادقة، بتعيين بعض النواب للقيام بزيارات ميدانية لمرافقة الوزير الأول خلال الزيارات التي يقوم بها إلى ولاياتهم، وكذا تعيينهم ضمن الوفود التي تقوم بزيارات عمل ومجاملة للبرلمانات الأوروبية، العربية والإفريقية في إطار لجان الصداقة البرلمانية، لتعزيز التعاون البرلماني والدبلوماسي مع الدول الصديقة والشقيقة.غير أن النائب أوضحت أن هذا الغياب لا يجب أن يُفهم منه على أنه تقصير من قبل النواب أو تهاون في القيام بالمسؤولية التي انتخبهم الشعب من أجلها؛ إذ لا يوجد أي مشروع قانون عُرض للمصادقة دون اكتمال النصاب القانوني للنواب؛ حيث يقوم النواب الغائبون لأسباب مهنية تفرض عليهم حضور اجتماعات اللجان بمنح وكالات لزملائهم، للتصويت نيابة عنهم.
عمل النواب يستمر إلى ساعات متأخرة ليلا وأشارت النائب المنتخبة عن ولاية تيزي وزو، إلى أن دراسة مشاريع القوانين على مستوى اللجان، تأخذ وقتا طويلا يصل أحيانا إلى الشهرين، لدراسة وتعديل وإثراء مشروع واحد، وهو ما يجعل النواب يشتغلون عليها لساعات متأخرة تتجاوز منتصف الليل، خاصة خلال الدورة الحالية، التي عرضت فيها الحكومة عدة مشاريع قوانين، تمت المصادقة على أربعة منها، وهي قانون المالية لسنة 2014، قانون العقوبات، قانون المحاماة وقانون تسوية الميزانية لسنة 2011، في انتظار الانتهاء من باقي المشاريع المطروحة على طاولات اللجان، والتي يجب إتمامها ومناقشتها والمصادقة عليها قبل انتهاء الدورة الحالية، التي من المنتظَر أن تُختتم في بداية شهر فيفري على أقصى تقدير. وتتمثل مشاريع القوانين التي تعمل اللجان البرلمانية حاليا على دراستها قبل عرضها للمناقشة، في مشروع قانون السمعي البصري، الذي سيُعرض للمناقشة في السابع من جانفي الحالي، مشروع أنشطة سوق الكتاب، الذي تدرسه حاليا لجنة الثقافة، والذي سيبرمَج مباشرة بعد قانون السمعي البصري، علاوة على مشروع القانون المتضمن مكافحة التهريب، الذي لم يبرمَج تاريخ مناقشته بعد. وستعرض الحكومة في الأيام القادمة عدة مشاريع قوانين أخرى على المجلس، منها قانون تنظيم السجون، مشروع قانون تنظيم التعاضديات الاجتماعية، مشروع قانون الطيران المدني، مشروع قانون التمهين، مشروع قانون الجمارك، مشروع قانون حماية الطفل وكذا مشروع قانون المواد البيولوجية، والتي تنتظر إدارة المجلس استلامها من الحكومة لبرمجتها.ووصف نواب المجلس الشعبي الوطني الدورة الخريفية الحالية، بالثرية؛ بالنظر إلى أجندتها المكثفة من حيث عدد مشاريع القوانين المبرمجة، والتي بلغ عددها 14 مشروعا، منها ما تمت المصادقة عليه، ومنها ما لم يناقَش بعد.
استغلال توصيات الملتقيات في تعديلات القوانين من جهة أخرى، عرفت الدورة الخريفية تنظيم عدة أيام برلمانية تناولت عدة مواضيع هامة، منها اليوم الدراسي الذي خُصص لمشاركة المرأة في المجالس المنتخَبة؛ حرصاً من رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد محمد العربي ولد خليفة، الذي يولي أهمية كبيرة لاحترام القانون الذي بادر به رئيس الجمهورية، والمتضمن توسيع مشاركة المرأة في هذه المجالس؛ مما سمح بانتخاب 140 امرأة بالبرلمان الحالي. وفي هذا السياق، أضافت النائب العرفي أن السيد ولد خليفة المعروف بثقافته الفكرية، يرحّب بكل المبادرات التي يتقدم بها النواب لتنظيم أيام دراسية وبرلمانية تتناول مواضيع اجتماعية، قانونية، سياسية، ثقافية وغيرها من المواضيع التي يمكنها إضافة اقتراحات وتوصيات تخدم المجتمع، يستغلها النواب في إدخال تعديلات على مشاريع القوانين التي تُعرض عليهم، والتي تتناول نفس المواضيع.
زيادة عدد جلسات الأسئلة الشفوية لإيصال صوت المواطن عادة ما يعبّر نواب المجلس الشعبي الوطني عن استيائهم من طول مدة الإجابة عن الأسئلة الشفوية التي يتقدمون بها إلى الحكومة؛ بسبب تراكم هذه الأسئلة، إذ لا يسمح القانون ببرمجة أكثر من جلستين لها في الشهر، علما أنه لا يمكن برمجة أكثر من 12 سؤالا خلال الجلسة الواحدة؛ كون الوقت المخصَّص لكل سؤال والرد عليه من طرف الوزير، لا يتعدى 15 دقيقة في الجلسة الواحدة، التي يحدَّد زمنها بثلاث ساعات.وعرفت الدورة الحالية للبرلمان استقبال أكثر من 197 سؤالا شفويا إلى غاية يوم الإثنين الماضي، و140 سؤالا كتابيا، في الوقت الذي لا يُطرح فيه أي مشكل بالنسبة للأسئلة الكتابية، التي تمت الإجابة على حوالي 92 بالمائة منها، حسب مصادرنا، التي أرجعت التأخر في الإجابة عن الأسئلة الشفوية، إلى عدة أسباب، منها عامل الزمن المخصَّص للجلسة، وارتباطات الوزراء، الذين يضطرون لتأجيل الجلسات حاليا بسبب نشاطاتهم الحكومية.ويعبّر النواب عن رغبتهم في مراجعة القانون العضوي للبرلمان بعد تعديل الدستور، لإعادة النظر في تنظيم غرفتي البرلمان وعلاقتهما بالحكومة؛ مما يسمح بمنح المزيد من الوقت لطرح هذه الأسئلة التي تنقل انشغالات المواطن، وذلك بالمطالبة بتوسيع عدد الجلسات المخصصة للأسئلة الشفوية، إلى أكثر من جلستين في الشهر، علما أن القانون الحالي ينص على تخصيص جلستين شهريا لكلا غرفتي البرلمان بالرغم من أن الغرفة الثانية؛ أي المجلس الشعبي الوطني، تضم عددا أكبر من النواب مقارنة بالغرفة الأولى، المتمثلة في مجلس الأمة.
استقبالات سمحت بتعزيز التعاون البرلماني كما كانت الدورة الخريفية التي لم تُختتم بعد، غنية من الناحية الدبلوماسية لتعزيز أواصر الصداقة والتعاون الثنائي بين الجزائر وبعض الدول، حيث استقبل السيد ولد خليفة رؤساء حكومات ووزراء خارجية 11 بلدا عربيا، و13 وزيرا من باقي الدول الأوروبية والإفريقية، بالإضافة إلى استقبال عدة وفود أجنبية، منها خمسة وفود تم استقبالها في إطار علاقات التعاون متعدد الأطراف، و28 وفدا في إطار تقوية التعاون الثنائي، إلى جانب استقبال عدد هام من الإطارات السامية في البرلمانات العالمية، وكذا سفراء من تسع دول عربية و34 دولة أجنبية، للحديث عن العلاقات التي تربط الجزائر ببلدانهم، والعمل على ترقية التعاون البرلماني إلى مستوى العلاقات السياسية التي تجمع هذه البلدان.وحرص السيد ولد خليفة خلال هذه الاستقبالات، على إيصال رسالة الجزائر وتأكيد مواقفها حيال العديد من القضايا الدولية السياسية والأمنية، خاصة ما تعلّق بالسلم والأمن واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، مثلما شدّد عليه خلال استقباله لوفد دولي تضامني مع الشعب الصحراوي؛ حيث جدّد موقف الجزائر الرامي إلى تسوية قضية الصحراء الغربية وفق الشرعية الدولية، بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره عن طريق تنظيم استفتاء شعبي، كما جاءت به اللوائح الأممية.ومن خلال الواقع الذي وقفنا عليه، يتّضح أن عمل نواب المجلس الشعبي الوطني لا ينحصر فقط في حضور جلسات النقاش، بل يتعداه إلى أدوار أخرى، تصب في صلب دور النائب بعيدا عن أضواء الكاميرات والعيون التي ترصدهم؛ من خلال المشاركة المكثفة وبأعداد كبيرة، في اجتماعات اللجان، لدراسة مشاريع القوانين قبل عرضها على النقاش العام.