ضمن مشروع لنشر 100 رحلة حج إلى مكة، تأتي تجربة رحالة مغربي لتلقي أضواء على جوانب من ثقافة عصره وتفاصيل عن مدن وعلماء في المسافة من مدينة فاس المغربية إلى الحجاز في شبه الجزيرة العربية. و"الرحلة الحجازية” التي تعد من أمهات الرحلات المغربية إلى الحج كتبها في القرن السابع عشر أبو عبد الله محمد بن الطيب الشرقي الفاسي بعد سفر استغرق 16 شهرا من فاس إلى مكة، ثم العودة إلى بلاده، فعلى سبيل المثال يصف الفاسي أهرام مصر بأنها “رمت الدهر المشيب وأشرفته على الإهرام” ويروي أنه خلال زيارة ضريح “الإمام الأعظم مولانا أحمد البدوي” في مدينة طنطا في دلتا مصر، رأى في إحدى القرى “مدرسة عظيمة مملوءة بالعميان لهم خراج معلوم وجرايات يقتاتون منها” وكان في القرية بيوت للضيوف وبالغ الأهالي في إكرامه هو ومن معه. يقول؛ إنّ بعض مساجد القرى -التي توجد بها أضرحة لأولياء يعتقد أن لهم كرامات- كانت تزدحم بكثير من “الأوباش والهمج وأخلاط الفلاحين” إلا أنه يسجل جوانب أخرى منها وفرة الموارد الطبيعية، حيث “الثمرات والزروع والألبان والأجبان والأنعام والخضر... فسبحان من كرم بني آدم... وجعل مصر مجمعا لجميع ما يشاؤه الإنسان من الإحسان”، قام الباحث المغربي نور الدين شوبد بتحقيق (الرحلة الحجازية) عن “نسخة مخطوطة فريدة محفوظة في جامعة لايبزيغ بألمانيا... وهي خالية من اسم الناسخ وتاريخ النسخ”، كما قال تقرير لجنة تحكيم جائزة ابن بطوطة لتحقيق المخطوطات التي منحت المحقق جائزتها. وجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي تمنحها دار السويدي في أبوظبي، حيث نشرت الكتاب، وقالت في بيان؛ إنّها ستواصل “العمل على استكمال مشروعها الثقافي الرائد في إحياء مجال فريد من التراث الأدبي وهو المجال الخاص بمدونات الرحالة العرب والمسلمين خلال الألفية الأخيرة من تاريخ الأمة”. ونشرت دار السويدي في السنوات الماضية عددا من رحلات الحج، منها “تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار” لابن جبير الأندلسي (1183-1185 ميلادية)، “ماء الموائد” لعبد الله بن محمد العياشي (1661-1663 ميلادية)، “الرحلة الناصرية” لأبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي (1709- 1710 ميلادية) و"إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله وزيارة القدس الشريف والخليل والتبرك بقبر الحبيب” لمحمد بن عبد الوهاب المكناسي عام 1785 ميلادية. يقول الشاعر محمد أحمد السويدي في مقدمة الكتاب؛ إنّ هذه السلسلة “مهداة إلى روح الشيخ زايد باني نهضة الإمارات” وإن رحلات الحج ستصبح بعد تحقيقها ونشرها موسوعة لعلماء وأدباء ومتصوفة وباحثين عن المعرفة عبر ألف عام. يقول شوبد محقّق الكتاب؛ إنّ الرحلة لدى المغاربة “صارت فنا أدبيا” بعد أن كانت تدوّن لمجرد المتعة بتسجيل المشاهدات وإن بعض الرحالة، ومنهم الفاسي، لهم عناية كبرى بوصف الأماكن وعادات الشعوب، إضافة إلى اهتمامه بوصف مشاهداته عن الفاسي بالاستشهاد بما يحفظ من أشعار لأعلام الشعر العربي ومنهم النابغة الذبياني، البحتري، أبو تمام، المتنبي، الطغرائي وابن سناء الملك.