أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أن الشهيد الرمز، مصطفى بن بولعيد، من هؤلاء الذين أهدوا وطنهم أثمن ما يملكون، بأن وضع روحه على مذبح الحرية من أجل عزته وكرامته واصفا الشهيد ب«القائد المغوار والصنديد". وقال رئيس الجمهورية في رسالة له بمناسبة إحياء الذكرى ال58 لاستشهاد الشهيد بن بولعيد، قرأها، أمس، نيابة عنه بباتنة السيد محمد علي بوغازي، مستشار برئاسة الجمهورية، بمناسبة إحياء ذكرى استشهاده، أنه "مهما تعاقبت السنون وتوالت الحقب وتقلبت الأحداث في مسار التاريخ، تبقى مآثر الرجال وما عاهدوا الله عليه علامة فارقة على جبين الدهر وذكرا طيبا على ألسنة الناس وعبرة في التاريخ لكل من يعتبر". وكتب الرئيس في هذا السياق أن الشهيد بن بولعيد ترك فينا من الفضائل ما لو اهتدت بها الأجيال لن تحيد عن محجة الحق وصون الكرامة أبدا، مضيفا "إني وفي هذا اليوم المشهود لأنحني أمام ذكرى استشهاده العظيمة وأصلي لروح كل من أكرمه الله بالشهادة ورزقه الخلود ولا أفتأ أمجد الثرى الذي احتضن جثامينهم". وعدد الرئيس في رسالته خصائل الشهيد ليقول "لم يكن هذا الرجل إلا فضلا من الله منّ به على الشعب الجزائري وخصه بما خص به عباده المكرمين من إخلاص للوطن وإيمان عميق بقدرات الشعب، وثبات على المبدأ وإقدام وحكمة بز بهما الكثير من أقرانه". وأضاف قائلا "لقد وشح مسيرته العطرة بخصال وشمائل لا تحصى، فتسربل بشيم أهل الأوراس الأشم، هذا العرين الذي أراده المولى ليكون على مدى الدهر صرحا للمجد والأصالة والبطولة والشموخ... فلا عجب إذا أن تجتمع صفات أهل هذه الربوع، صورة وسلوكا في شخص مصطفى بن بولعيد". واستطرد الرئيس متحدثا عن شمائل حرائر الأوراس وأشاوسه من "بطولات ودروس وعبر" مكتفيا في عجالة، بوقفة مع هذا الرجل الذي "آمن يافعا بأن المرء لا يمكن أن يقف فوق أديم الجزائر، إلا إذا تظلل بشمس الحرية وتنفس نسيمها وأعد العدة للمنازلة الكبرى بعد ليل حالك مدلهم فرضته إرادة القهر والطغيان الاستعماري". وأشار الرئيس بوتفليقة إلى أن هذا الرجل كان "سباقا في نكران الذات وإيثار حق الأمة على نفسه، يقتطع من رزق أبنائه ما يجمعه بعرق جبينه ليشتري به سلاحا ويطعم به رفاقه الذين أجارهم بالأوراس، اتقاء بطش العدو الذي لاحقهم في كل مكان فكانت من الأوراس انطلاقة الشرارة الأولى لعهد جديد، فضلا عن مسعاه بين القبائل وبين الفرقاء يلم شملهم على كلمة سواء بعد أن فرقهم مكر الأعداء ودسائسهم، فكان بذلك المفصل في شحذ الهمم وبناء الإرادات وإعداد الرجال وتوفير السلاح، حتى أدرك بحسه الوطني لحظة الحسم فاندفع غير هياب مع ثلة ممن تخيرهم المولى ليكونوا وقودا للحرية وأئمة للجهاد في سبيل الله والوطن". واستطرد الرئيس في رسالته يقول "فألقوا بالثورة إلى شعب متلهف طال انتظاره لذلك اليوم الموعود، فكانت الثورة التي قلبت معادلة الموازين وأطلعت من مربضها شمس حرية أشرقت بأنوارها على كل مظلوم مقهور وانهارت بها عروش كل مختال فخور". وفي رسالة الرئيس نقرأ "كثير هم الرجال الذين اعتلوا منابر التاريخ ولكن قلائل منهم فازوا بالخلود، أولئك هم الذين خلدوا أوطانهم بما قدموا لها من جلائل الأعمال ومن عظيم التضحيات، لا يريدون بها إلا وجه الله وإعلاء كلمة شعوبهم، وتأمين مستقبل أجيالهم، والحفاظ على سؤددهم وعزتهم ومكانتهم بين الأمم".
بناء الأمم بهيبة أبنائها وحصانة هويتها وبالمناسبة، تطرق الرئيس في رسالته إلى مسائل راهنة حين نبه إلى أنه "إذا كانت نهضة الأمم الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية تبنى على ما لديها من مقدرات مادية واحتياطات طاقوية وثروات طبيعية، فإن رصيدها الأكمل والأهم إنما في هيبة أبنائها ورمزية قيمها وحصانة هويتها ومناعة مقوماتها وهي العروة الوثقى التي إذا انفصمت ذهبت ريحها وتشظت لحمتها". وأوضح في حديثه عن واقع اليوم إن "الجزائر حباها المولى بالأمرين معا فهي اليوم بفضل مؤسساتها وبإرادة نسائها ورجالها وبمقدراتها الاقتصادية قوية عزيزة، ولكنها أقوى وأصلب باحتياطها القيمي والرمزي من خلال دينها الحنيف، دين التوحيد والتسامح والمصالحة والتآخي والمساواة والعدل بالقسطاس بين الجميع، وكذلك بتضحيات أجيالها المتعاقبة وصمودهم أمام مخططات التفرقة والنيل من وحدتهم". لكنه أكد بالمقابل أن "هذه الحصانة التي اتسم بها شعبنا واستمسك بها تحتاج على الدوام إلى مؤازرتها والدفاع عنها من قبل خيرة أبنائها من أقصى جنوب الوطن إلى أقصى شماله ومن شرقه إلى غربه"، معتبرا أن الشعب الجزائري "عودنا في الضراء قبل السراء على هباته الشجاعة وتماسك وحدته وتكاتف جهوده واجتماع موقفه لمواجهة العقبات الكأداء وتجاوزها".