“الحايك” دلالات اجتماعية وقيمة تاريخية أهملتها المرأة العصرية تأسف محمد بن مدور مكلف بالاتصال بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية وباحث في التراث الوطني، عن ضياع الكثير من العادات والتقاليد في المجتمع الجزائري، تحديدا تلك المتعلقة باللباس التقليدي وعلى رأسها “حايك المرمة” أو “العوينة” الذي أصبح اليوم محصورا في النساء المتقدمات في السن من اللواتي أبين التخلي عن هذا الموروث التقليدي. يحدثنا الباحث بن مدور عن تاريخ “الحايك” كقطعة تراثية قديمة فيقول: “بالرجوع إلى هذا الزي التقليدي الذي عانق جسم المرأة لسنوات، أستطيع أن أؤكد أنه لم يكن موجودا في الفترة البربرية، وأن ظهوره يعود إلى القرن التاسع، إذ ترتبط قصة ظهوره ب”الفوطة” القبائلية التي كانت تلبسها المرأة لتستر بها أطراف جسمها السفلية، باعتبار أن الجبة أو القميص لم يكن يؤمن لها السترة اللازمة، وعندما تتنقل النساء من دشرة إلى أخرى، كن يرفعن “الفوطة” لتغطية رؤوسهن، أي أنهن اعتمدناها كسترة وعندما دخلن إلى العاصمة متلحفات بها، انتبه سكان العاصمة إلى أن هذا اللباس رداء السترة، فأبقوا على “الفوطة” لستر الجزء السفلي من الجسم، وأضافوا قطعة قماش لتغطية الرأس فكان بمثابة نصف “حايك” ومن هنا بدأت تظهر الملامح الأولى له”. من العوامل التي شجعت على ظهور “الحايك” كلباس تقليدي؛ التطور السريع في اللباس تحديدا لدى سكان القصبة، وبظهور سروال “الشلقة” الذي يكشف عن جزء من ساق المرأة، عملت النساء على إطالته ليصل إلى الكعبين بعدما كان نصف “حايك”، فمن جهة يخفي كل جسم المرأة، ومن ناحية أخرى يحقق المساواة بين النساء في المجتمع بعدما ظهر نوع من الانقسام الاجتماعي، حتى لا تعرف المرأة التي تنتمي إلى عائلة غنية والتي تنتمي إلى أسرة فقيرة أصبحت كل النساء يلبسن “الحايك”، حسب محمد بن مدور. ولعل أهم ما ميز “الحايك” كونه لباس المتزوجات أو العازبات، يقول بن مدور، ويضيف: “ الحايك عندما لبس أول مرة لم يكن لونه أبيضا، إنما كان يلبس بألوان مختلفة، ولارتباط لونه بالأبيض حكاية وقعت داخل أسوار مدينة الجزائر، حيث كانت النساء عشية المواسم والأعياد الدينية يقمن بطلي الدويرات والحارات باللون الأبيض، وهو ما أعطى فكرة الجزائر البيضاء وجعل حرائر القصبة يفكرن في توحيد لون “الحايك” بجعله أبيضا ليعكس جمال مدينة الجزائر، ومن هنا أصبح لدينا “حايك” يغطي كل جسم المرأة بلون واحد”. وحول نوعية القماش الذي يعد منه “الحايك”، قال ابن مدور عنه بأنه كان ينسج من الحرير في تونس، ولتطويره أدخل عليه بعض الزينة كالحاشية أو الاعتماد على الشبيكة، وبعد أن انتشر الحرارون بالجزائر، أصبح يتم نسجه داخل أسوار المدينة، خاصة بعد أن تحول إلى لباس أساسي للمرأة العاصمية خلال الحقبة العثمانية. ومن الدلالات الاجتماعية أن ظهوره كان يرتبط بالعروس، فكل فتاة بالقصبة العريقة تستعد للزواج يرسل إليها أهل الزوج قطعة قماش مرفقة ب“الحايك” في جهازها، إذ كان يعتبر ضروريا ولا يمكن لها الخروج من دونه، لكن للأسف الشديد يقول ابن مدور: “اليوم لم يعد هناك اهتمام كبير ب“الحايك” بعدما أصبحت العروس تخرج باللباس الأوروبي، بينما في وقت مضى كان يتم إخفاؤها عن الأنظار ب“الحايك” الأبيض، وتخرج تحت ذراع والدها، لكن اليوم يقتصر لبسه بحكم متطلبات العصر وتغير العقليات على الطاعنات في السن من اللواتي حدثنني عن سبب ارتباطهن بهذا الموروث قائلات: “إنه يذكرهن بأمهاتهن بدليل أن “الحايك” الذي يلبسنه قديم ولونه أصفر، مما يعكس عراقته، بينما عمدت أخريات إلى التخلي عنه وأدى ذلك إلى تضييعه”. إلى جانب “حايك المرمة”، عرف بالعاصمة أيضا ما يسمى “بحايك العوينة” الذي عمدت المرأة من خلاله إلى ستر نفسها أكثر بتغطية وجهها كليا، غير أن إزالته عن الرأس يجعل وجهها بارزا، مما أدى إلى ظهور “العجار” الذي كان في أول الأمر طويلا، بعدها أدخلت عليه بعض التعديلات بحكم أن اللباس يعرف يوميا تطورات، ومنه أخذ شكل المثلث المزين بالحاشية أو “الشبيكة”. وما جعل “حايك المرمة” أكثر شعبية وزاد من تمسك المرأة به؛ الدور الذي لعبه كلباس إبان الثورة التحريرية، حيث كانت النساء اللائي يرتدينه يمثلن بالنسبة للمستعمر الفرنسي، يقول ابن مدور، خطا أحمرا لا يجوز الاقتراب منه، الأمر الذي جعل المجاهدين على مستوى الجبال عندما يرغبون في زيارة أهاليهم يلبسونه للتنقل في أحياء القصبة العريقة، ويختم ان مدور حديثه بالقول؛ ما أحوجنا إلى الاهتمام أكثر بعاداتنا وتقاليدنا من خلال البحث في محاولة لإنعاش الذاكرة، حتى تظل تقاليدنا حاضرة لا تندثر.