في صورة نادرة، تظهر إحداهن مرتدية "الحايك" لتعود بنا الى عصور "الهمة والشان"، والأكيد أنها من "بقايا" المحافظات على هذا الزي الجزائري التقليدي، الذي تراجع ارتداؤه كثيرا منذ نهاية الثمانينيات مع ظهور موجة الحجاب كبديل عن "الحايك"· لم يكن ارتداء "الحايك" في السنوات التي تلت الاستقلال مقتصرا على فئة معينة من النسوة أو طبقة معينة من المجتمع، بل كان يعتبر زيا موحدا وإجباريا الى حد ما للشابات والمتزوجات والمسنات ومن كل الطبقات، ومقسما الى لونين اثنين هما الأبيض الناصع والأبيض المصفر·· الأول يرتدى بشكل كبير عند السيدات المتقدمات في السن، بينما تلتحف باللون الثاني الشابات والمتزوجات حديثا، حسب الشروحات المقدمة إلينا من طرف الخالة عتيقة، واحدة من اللواتي وجدت في الحجاب بديلا عن "الحايك"· ولعل أهم ميزة ل"الحايك" في تلك السنوات، أنه لا تظهر بارتدائه الطبقة التي تنتمي إليها مرتديته، وبالتالي لا فروق اجتماعية بين شرائح المجتمع على الأقل من ناحية الملبس، عكس الآن تماما، ويبقى الفرق الوحيد في التحاف "الحايك" يظهر فقط في طريق عقده أو ربطه، فالمتأنقات الشابات يفضلن عقده تحت الإبط وبالتالي يظهر ما تحته من اللباس الأنيق، التقليدي أيضا وهو إما سروال "الشلقة" أو سروال "الزنقة" وهن يترنحن ذات اليمين وذات الشمال، في حين تفضل أخريات عقده عند الخصر، وهذه الطريقة المثلى للتحجب من أعلى الرأس الى أخمص القدمين· كما أن "العجار" يعتبر "أكسسوارا" أساسيا ل"الحايك"، غير أنه يمكن الاستغناء عنه عند الكثيرات ممن يتخذن الحايك زيا للخروج فقط· و"الحايك"، كما جاء في كتاب "تطور لباس المرأة الجزائرية" لصاحبته نفيسة لحرش، الصادر عن دار أنوثة للنشر عام 207، عبارة عن قطعة واحدة تلبسه المرأة فوق لباسها، وتلتف فيه من رأسها الى قدميها مهما كان سنها ومستواها الاجتماعي، وهو متنوع حسب المناطق الجزائرية، ومن حيث نسيجه وقماشه وتعدد تسمياته وطقوس لبسه· ولم يتغير ارتداء "الحايك" منذ بداية تاريخ ارتدائه، سواء من حيث شكله العام أو من حيث دلالته الاجتماعية·وكان "الحايك" حسب نفس المصدر واستنادا إلى بعض المؤرخين، يمثل من الناحية التاريخية والاجتماعية سيطرة الرجل على الحريم، كما أن نوعية قماشه تسجل التمييز بين الطبقتين الغنية والفقيرة· طول "الحايك" كان يتراوح بين 3 إلى 5 أمتار مقابل مترين عرضا ثم تقلصت القطعة مع الزمن، أما نسيجه فكان من الصوف الخالص أو الصوف المقصب بألوان مختلفة، كما ينسج من الحرير الخالص ويسمى "حايك مرمة"، وكثيرا ما تطرز الجوانب الأمامية للحايك "بالمسلول" أو "الشبيكة" بخيوط الحرير وأشكال أزهار الياسمين أو مسك الليل· وبظهور الحجاب كلباس إسلامي على الساحة الاجتماعية أواخر الثمانينيات، تقلص ارتداء الحايك كثيرا لأسباب عديدة، منها سهولة ارتداء الحجاب واستعمال المواصلات خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يخرجن كثيرا· ولم يكن لنا في هذا المقام أن نغفل رأي من ما تزال محافظة في زيها على "الحايك"، إذ تقول الخالة لويزة: "هذا تاريخ أجدادنا، وأنا ألفت ارتداء الحايك منذ أن كنت في 15 من عمري، وبالضبط بعد زواجي، وأحتفظ بهذا الحايك، الذي أرتديه عند خروجي نذ ما يزيد عن 22 سنة، ما حال مازال، ولو كان لدي بنت لأمرتها بارتداء الحايك أما موضة اللباس الحالية بما فيها الحجاب فأحس أنها دخيل علينا"· وتضيف بلهجة متحسرة "حايك المرمة كنا نفصله بأيدينا ونخيطه ونطرزه بأيدينا أيضا حسب عمر وقامة كل فتاة، لم نعرف أبدا الألبسة الجاهزة، إلا في السنوات التي غيب فيها الحايك عن مظهر المرأة الجزائرية الخارجي"· جدير بالذكر، أن "الحايك" يبقى القطعة الحريرية المفضلة في جهاز العروس منذ القدم والى اليوم، فأغلبية العرائس تغطى بحايك المرمة عند خروجهن من بيت أهلهن يوم زفافهن ليتدلى فوق لباسهن الأبيض أو فستان الزفاف في صورة رائعة تزاوج بين العصري والتقليدي·