حقق مرشح الرئاسيات المصرية المشير عبد الفتاح السيسي فوزا ساحقا ودون أية مفاجآت بحصوله على 96 بالمائة من أصوات الناخبين المصريين، متقدما بفارق كبير على منافسه المرشح حمدين صباحي، الذي اعترف بهزيمته بعد أن أكدت نتائج فرز الأصوات، حصوله على نسبة 3,8 ٪ فقط من أصوات الناخبين المعبَّر عنها. ولم ينتظر أنصار السيسي يوم الخامس جوان الجاري التاريخ المحدد للإعلان عن النتيجة الرسمية لهذه الانتخابات، وخرجوا بالآلاف إلى شوارع المدن المصرية في مواكب سيارة، للتعبير عن فرحتهم لفوز مرشحهم، الذي تكهنت كل التوقعات بأنه سيكون الرئيس القادم لدولة مصر. وكانت الحملة الإعلامية التي صاحبت مسيرة قائد القوات المسلحة المصرية السابق، قد هيّأت الرأي العام المصري لتبنّي فكرة توليه مقاليد الحكم، وكان هو يصر في كل مرة: “حال طلبني الشعب المصري فإنني لن أتردد في تلبية رغبته”. ولكن الرجل بقي محتفظا بقرار مشاركته من عدمها إلى غاية تأكده من توافر كل معطيات فوزه؛ حيث بقي محتفظا بمنصبه كوزير للدفاع ونائب لرئيس الوزراء، محافظا بذلك على صفة الرجل القوي في مصر إلى غاية موعد إعلان الترشيحات لخوض انتخابات الرئاسة؛ إذ قدّم استقالته من منصبه كوزير للدفاع، وكان ذلك بمثابة الخطوة التي جعلته المرشح الأوفر حظا لاعتلاء كرسي الرئاسة المصرية. والواقع أن كل مؤشرات تولي المشير عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في مصر، بدت واضحة منذ مشاركته في مسيرات 30 جوان 2013، التي كانت بمثابة بداية نهاية الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي عُزل من منصبه بمبرر الاحتكام إلى “سلطة الشارع المصري” ثلاثة أيام بعد تلك المظاهرات. ولم تكن نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية سوى تحصيل حاصل لواقع سياسي عاشته مصر طيلة الأحد عشر شهرا التي تلت قرار عزل الرئيس السابق، وخاصة بعد أن عرف المشهد السياسي المصري مستجدات عنيفة وعميقة، تحولت على إثرها حركة الإخوان المسلمين الى تنظيم إرهابي، تم على أساسه ملاحقة آلاف المنتسبين إليها، وسُلطت عليهم أحكام قاسية بالسجن. ولكن المعطى الذي لعب دورا حاسما في صعود شعبية المشير عبد الفتاح السيسي، كان، دون شك، تنفيذ أولى العمليات المسلحة ضد عناصر الجيش المصري في صحراء سيناء والاغتيالات الفردية التي طالت عناصر الشرطة في مختلف المدن المصرية، وكان ذلك عاملا إضافيا خدم موقف مرشح السلطة لتولي مقاليد البلاد، بعد أن برز بحكم صفته كرجل عسكري، الشخصية القادرة على مواجهة هذا الطارئ. وعرف وزير الدفاع المصري السابق كيف يتعاطى مع رغبة الناخبين المصريين، وراح يؤكد في كل مرة أنه سيعمل دون هوادة على استئصال الظاهرة الإرهابية من جذورها والقضاء على النشطاء الإسلاميين، الذين اتخذوا خيار القوة سبيلا لضرب رموز الدولة المصرية؛ انتقاما لعزل الرئيس محمد مرسي. وكانت ورقة الخوف من تنامي الأعمال الإرهابية ضد مؤسسات ورموز الدولة المصرية، عاملا أكسب الرئيس المصري الجديد مزيدا من المؤيدين؛ على اعتبار أن نسبة كبيرة من الشعب المصري بدأت تشعر ثلاث سنوات بعد الإطاحة بنظام الرئيس مبارك، بأن ثورة 25 جانفي حادت عن مسارها، وانحرفت باتجاه الفوضى العارمة بدلا من بناء دولة مصرية ديمقراطية بعيدا عن سلطة العسكر والحزب الوطني الحاكم. ولكن حتى بعد فوز السيسي بمقعد رئيس الجمهورية الذي حلم به منذ أن صافح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وهو في سن الرابعة من العمر، فإنه اضطر، رغم ذلك، إلى تمديد مدة الانتخاب بيوم ثالث من أجل ضمان نسبة مشاركة عالية لإدراكه المسبق أنها ستكون ورقة في يد خصومه للطعن في شعبيته. كما إن نسبة الأوراق الملغاة شكلت الحدث الأبرز في هذه الانتخابات؛ حيث أكدت كل عمليات الفرز وجود ملايين المصريين الذين لم يصوّتوا لا للمرشح السيسي ولا لمنافسه صباحي، وفضّلوا أن يضعوا ورقة بيضاء ربما من أجل أن لا يقعوا تحت طائلة الغرامات التي تم التلويح بها ضد كل من لا يتوجه إلى مكتب الاقتراع. ومهما تكن الحسابات والقراءات فإن سؤالا بدأ المصريون يطرحونه رغم تباين مواقفهم وتوجهاتهم، : “ماذا جنينا من ثورة اعتقدنا أنها ستكون خلاصنا من حكم عسكري حكم البلاد منذ ثورة الضباط الأحرار في جويلية 1952؟”، فإذا بهم يجدون أنفسهم بعد 62 عاما، تحت سلطة رئيس عسكري ترعرع في دواليب جيش وسلطة هي نفسها التي تربى فيها الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك.