رجحت التوقّعات أن يخوض محمد مرسي مرشح حركة الإخوان المسلمين واحمد شفيق عن التيار الوطني منافسة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة ليومي 16و17 جوان القادم. ولم يتمكن أي من هذين المرشحين من تحقيق الأغلبية المطلقة بالحصول على 50 بالمئة من إجمالي الأصوات المعبر عنها التي تؤهلهما للفوز بمقعد الرئاسة المصرية دون الحاجة إلى إجراء دور ثان. وقدرت عمليات الفرز الأولية المسربة إلى حد الآن تقدم محمد مرسي ب30 بالمئة من الأصوات التي تم فرزها على المرشح احمد شفيق الذي حل ثانيا ب22 بالمئة بينما حصل المرشح اليساري صباحي على 20 بالمئة متقدما على المرشح الإسلامي الثاني عبد المؤمن أبو الفتوح الذي لم يحصل سوى على 17 بالمئة من الأصوات وعمرو موسى رابعا ب11 بالمئة فقط. وإذا كان هذا التكهن الذي روجت له مصادر حركة الإخوان المسلمين انطلاقا من نتائج عمليات الفرز التي شرع فيها مباشرة بعد إقفال مكاتب التصويت مساء اول أمس فإن التوجه العام للناخبين كان متوقعا منذ أيام عندما رجحت كفة المرشحين المذكورين ضمن صراع تكرس على ارض الواقع داخل المجتمع المصري. وإذا كان متوقعا أن يحوز مرشح الإخوان المسلمين على أغلبية أصوات الناخبين بالنظر إلى الانتشار الواسع للحركة وقدراتها على التعبئة الشعبية واقتحامها لعمق المجتمع المصري فإن احمد شفيق آخر وزير اول في نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك تمكن هو الآخر من خلط كل التكهنات الانتخابية بعد أن حل ثانيا وهو الذي تعرض لحملة إعلامية شرسة من شباب الثورة الذين رأوا فيه استنساخا للنظام المنهار. ولكن فوزه بالمرتبة الثانية تبقى في الواقع نتيجة تعكس حقيقة الانقسام الحاصل داخل المجتمع المصري بين منتسبين ومتعاطفين مع التيارات الإسلامية المختلفة وبين شرائح واسعة من العلمانيين والليبراليين ممن يرفضون تولي الإسلاميين مقاليد السلطة في مصر. وهي القناعات التي راهن عليها احمد شفيق رغم أن الإسلاميين أمعنوا في وصفه بآخر فلول النظام العسكري المطاح به واحد الشخصيات الراغبة في المحافظة على مصالح المنتفعين منه ولكنه لم يتأثر لذلك وعرف كيف يرجح الكفة لصالحه ولو الى حين بعد أن راح يستثمر في أطروحات تتعارض مع تلك التي رفعها الإسلاميون وتمكن بفضلها من حصر الخطاب الانتخابي بين إسلاميين ووطنيين. وقد اقتنع احمد شفيق وعامة الرافضين لحكم حركة الإخوان أن الإسلاميين ليس لديهم ''خاتم سليمان'' الذي يمكنهم من إخراج مصر من دوامة مشاكلها المعقدة والمتشابكة من اللأمن والبطالة ووصولا الى الركود الاقتصادي الذي تعرفه اكبر البلدان العربية والإفريقية كثافة سكانية. وهو ما جعله يستغل ورقتي الأمن وإنعاش الاقتصاد ضمن أوراقه الرابحة وتمكن بفضلها من استقطاب ناخبين نسوا انه كان رمزا من رموز نظام ثاروا ضده ر مفضلين تغليب نظرتهم البراغماتية بعدم إحداث القطيعة بالصورة العنيفة التي يريدها الإسلاميون. ولكن الإسلاميين وفي رد فعل على هذه الانتقادات نفوا أن يكونوا غير قادرين على إنعاش الاقتصاد المصري المنهار كما يحاول الليبراليون نعتهم بافتقادهم لبرنامج اقتصادي واضح ويصرون على إيجاد الحلول الوافية متى اتضحت الرؤية لهم بمجرد أن يؤول إليهم مقعد الرئاسة المصرية بعد إحكامهم القبضة على مجلسي الشعب والشورى. وحتى وان تم تسريب هذه النتائج قبل أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات عن نتائج الفرز النهائية مساء غد فان عامة المصريين مازالوا يعيشون على وقع الترقب لمعرفة من سيكون رئيسهم القادم الذي يرون فيه مفتاح حل مشاكلهم. والمؤكد أن المصريين الذين توافدوا طيلة يومين على مكاتب الاقتراع في مشاهد غير مسبوقة اقتنعوا أنها المرة الأولى التي يقومون فيها باختيار رئيسهم بعيدا عن كل مظاهر التزوير التي عرفتها الانتخابات السابقة التي كانت نتائجها دائمة الى نقيض الإرادة الشعبية لأكثر من 80 مليون مصري. وهي الحقيقة التي وقفت عليها صحيفة ''الوفد'' المعارضة التي أكدت في افتتاحيتها أمس أن ''مصر تشد أنفاسها '' في عبارة صورت حالة الترقب التي يشهدها هذا البلد وحتى العالم الذي تابع باهتمام بالغ هذه الانتخابات بالنظر إلى الوزن الإقليمي الذي تشكله مصر في كل المنطقة والعالم.