أنجز أكثر من 300 مشروع في العديد من مناطق الجزائر خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1953 و1984، كالمركبات السياحية، الأحياء السكنية، الفنادق، الفيلات والأحياء الجامعية، بشروط بسيطة تتمثّل في البناء السريع وبأقل تكلفة.. هو المهندس الفرنسي فرنان بويون الذي يعرض المعهد الفرنسي بعض صور منشآته على جدرانه الخارجية. ترك المهندس الفرنسي فرنان بويون بصمة لن تمحى في الجزائر، تتمثل في منشآت تتوزع عبر مختلف أرجاء الوطن، مثل الحي السكني ديار المحصول، ديار السعادة، الحي الجامعي ”العالية، فندقي ”المرسى” بسيدي فرج، ”الزيانيين” (تلمسان) وكذا فندق ”المنتزه” (عنابة). واهتم فرنان الذي توفي سنة 1986، بإضفاء الطابع الاجتماعي والترفيهي على كلّ بنيان أنجزه، من دون أن ينسى العامل التاريخي الذي لا بد أن يزوّد به معلمه، وهو ما يظهر جليا في 13 لوحة تزيّن جدران المعهد الفرنسي إلى غاية 15جوان الجاري، من إمضاء المهندسة الجزائرية مريم معاشي معيزة التي أرادت بهذا المعرض تكريم المهندس الفرنسي الذي كانت له علاقة محبة وصداقة مع الجزائر. وتعود بادرة العلاقة بين فرنان والجزائر إلى سنة 1953، أي قبل الاستقلال، حيث تحصل على برقية من رئيس بلدية الجزائر جاك شوفاليي، يطلب منه إنجاز مشروع يضم 3 آلاف سكن، ليزداد العدد إلى 8 آلاف سكن، فقبل المهندس الملقب ب”قرصان الهندسة” التحدي. كما يعرف عن فرنان، حبه تجاوز كل ما هو تقليدي في البناء، شرط أن يجد له سبيلا في الميدان، وهكذا بدأت مغامرته في الجزائر مع ثلاثة أحياء سكنية هي؛ ديار السعادة، ديار المحصول ومناخ فرنسا (كليما دو فرانس) التي تضم آلاف الشقق، إضافة إلى موقعها القريب من المدارس والمساجد والأسواق، علاوة على شكلها الفني، وهو ما يميز عمل فرنان الذي صرح في أحد حواراته، أنّ ”الإنسان محتاج إلى أن يعيش في ديكور جميل لأنّه يأمل في عيش أفضل”. واستعان المهندس في عمله بالحرفيين، مثل المختصين منهم في الخزف، الإخوة سورديف ومحمد بومهدي والنحاتين على الحجر والحدادين والبستانيين، ليؤكّد أن السكنات الاجتماعية أيضا يجب أن تكون مميزة، وفي هذا السياق، شيّد المهندس جدولا اصطناعيا في ديار السعادة بفسيفساء لجون شوفي، بلغ طوله 3 آلاف متر بتكلفة زهيدة (200 فرنك فرنسي قديم للمتر). أما ديار المحصول، فتزينها منحوتات لجون أمادو ونافورة للوي أرنو تمثل نبتون يقود مدفعا، بينما قام في مناخ فرنسا بتعويض بساطة البنيان المخصّص للفقراء ببناء 200 عمود، وهكذا استطاع المهندس من خلال تجربته الأولى في الجزائر، وضع بصمة خالدة، حيث استعان بالحجارة والآجر لبناء السكنات بعيدا عن الإسمنت المسلح الرائج في تلك الفترة، في المقابل، وجد المهندس نفسه في السجن بسبب بعض المشاكل في بلده وبعد خروجه توقف عن العمل، إلا أنه حقق نجاحا كبيرا هذه المرة في مجال الرواية بروايته التي كتبها أثناء سجنه تحت عنوان ”الحجارة المتوحشة”. وفتحت الجزائر المستقلة أحضانها لهذا المهندس الفريد من نوعه، وعين سنة 1965 المهندس الأوّل لإعادة الهيكلة السياحية للتراب الجزائري، لتنطلق المغامرة بتشييد العديد من البنايات المختلفة في شتى أنحاء الوطن، وفي هذا الشأن، ذكر المهندس في أحد حواراته أنه أحب العمل في منطقة المتوسط وتكيف مع ثقافة الجزائر، مثل الإسلام وخصوصيات الهندسة الجزائرية. وانبهر المهندس بالهندسة الجزائرية خاصة العثمانية والأندلسية وكذا المزابية، ليمزج في مشاريعه بين التقنيات والأساليب، مثلا فندق ”الرياض” بسيدي فرج، يضم تأثيرات ميزابية وأندلسية وإيطالية، كما عرف بحبه للتحدي، حيث أنشأ حي مناخ فرنسا في منطقة قيل عنها بأنها غير صالحة للبنيان. وتوفي فرنان بويون يوم 24 جويلية 1986، بعد أن تحصّل على تكريم من الرئيس الأسبق فرانسوا ميتيران، بسنة واحدة قبل رحيله، وتبقى أعماله خالدة سواء في الجزائر أو في دول أخرى، وسيتمكن الجمهور الجزائري من الاطلاع على 13 لوحة تبرز بعض منشآته، إلى جانب بعض الرسوم البيانية عن المشاريع المنجزة في الجزائر.