يحتضن المتحف الوطني للفنون الجميلة الى غاية نهاية الشهر معرضا للنقش يبرز تقنيات فنية راقية لم تألفها عين الجمهور، حيث تظهر إبداعا بأبعاد انسانية تتعدى حدود الزمن وتتجاوز إطار اللوحة· المعرض تضمن لوحات عمالقة هذا الاختصاص الفني وهم خدّة ب29 لوحة، ولوعيل ب28 لوحة وبن عنتر ب19 لوحة، فيما خصّص حيّز من المعرض ل22 لوحة لفنانين آخرين من بينهم سيلام، قارة، فارس بوخاتم، مريم بان، سامطة بهية، صالح هيون وغيرهم· راج فن النقش في مختلف أنحاء العالم وعرف أشكالا مختلفة وفقا للتطور التاريخي كالنقش على العظام، والعاج أو الطين، ثم بتقنية الكتابة والطبع على الحجر، ثم الورق والخشب والقماش وعلى النقود· وانتقلت تقنية النقش إلى أوربا من الشرق واستعمل هذا الفن في الإطار الديني كاستعماله في الصور والتماثيل المقدسة· اشتغل فنانو الجزائر بهذا الفن متعدد التقنيات ولعل المعرض المقام بالمتحف الوطني للفنون الجميلة شاهد على قدرات هؤلاء الفنانين ومنهم الفنان محمد لوعيل (ابن أخت العلاّمة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي)، الذي درس في فرنسا مع اسياخم وعمل مع راسم في احدى الورشات بالجزائر، حيث برع في الرسومات ذات النكهة التراثية والمجسدة على الزرابي والحلي وغيرها· لوعيل يعتبر نفسه دائما في حالة تمرين خاصة عندما يمسك قلم الرصاص، فاللوحة التي ينجزها ما هي إلا قطعة من قصيدة شعرية· المعرض يميل الى تموّج الألوان ويبحث دوما عن اكتشاف ما، بينما يدير ظهره لتقنية التقليد والتجسيد الجاهز، فمن بين اللوحات التي قدّمها لوعيل في هذا المعرض "بعيدا عن الصخب" و"مجنون الملكة"، مستحضرا بذلك الشخصيات الأنثوية في أعماله بنقاء خالص وجمال بسيط· أمّا لوحات محمد خدّة فتدعو المتأمّل فيها الى إعادة اكتشاف فن النقش واستحضار الفن الشرقي الأصيل وقد برع في كل التقنيات والمواد المستعملة فيها كالحجر، الجلد والخشب وفي أحيان كثيرة كان يزاوج بين هذه المواد كلّها، كما تميّز هذا الفنان أيضا بالصبر في العمل إذ كان بامكانه ترك لوحته ترتاح شهورا عدّة ليدخل عليها إضافات ما وهكذا صنّفت أعماله ضمن التراث الثقافي الوطني سنة 1991 · ومن اللوحات المقدمة في المعرض لوحة " زبد الكتابة"، "بطاقة الأماني" و"رسالة الضفة"· أما الفنان عبد اللّه بن عنتر فمشواره مع النقش طويل، حيث أنجز في هذا الاختصاص 6 آلاف قطعة، وقد وصفه رشيد بوجدرة بأنه عبقرية وطنية مغمورة"· يعتمد هذا الفنان في عمله على جانب البحث العميق ويرى في كل مجسم أو لون رمزا ذو دلالة مباشرة، تتّضح من خلال الألوان المضاءة والخلفيات الداكنة والأحاسيس الهادئة واللعب على تقنيات الظل فهو يوحي بجوّ الجزائر ومدى حنينه الدائم لها·حضر بن عنتر إلى المعرض من خلال عدة أعمال منها "لعبة يويو"، "امرأة من الخلف" و"جذع"· الفنانون الثلاثة تميزوا بالاحترافية والحضور العالمي عبر معارضهم وأنشطتهم التي سمحت للأجانب باكتشاف الخصوصية الجزائرية لهذا الفن· *