رصد الفيلم الوثائقي "تالة عصيان أبدي" للمخرج التونسي المقيم في إيطاليا عادل بكري في ساعة و أربعين دقيقة نبضة من نبضات ثورة الياسمين، في تسجيل بطولي من خلال مدينة عريقة مهمّشة تهمتها الوحيدة هي إرادة الحرية. و جاء الفيلم في إيقاع مليء بالتوتر و الهيجان ، مثل عيون "تالة" ووديانها، وتارة هادئا كما الصفاء والبراءة في عيون الأطفال، ويختطف الكلمة أحيانا الزائر العائد من روما البعيدة إلى تالة الرابضة في أعالي الجغرافيا وفي "لا عدل التاريخ" كما يصفها، ليتعانق صوت الذات المخرجة مع صوت المدينة وكأن بالمخرج يقول إنني وتالة واحد ، وتندلع بعد ذلك هتافات الجماهير الغاضبة تردد شعارات الاحتجاج التي ظهرت أثناء الانتفاضة في "تالة" والتي رحّلت وهُرّبت لتصل إلى كل مدن تونس، بل حتى إلى ليبيا لترفع شعارات هناك تندد بالدكتاتور.
و طغى الشعر على الفيلم وحضرت قصائد محمود درويش ومعين بسيسو وبلقاسم اليعقوبي ونزار قباني وصلاح بن عياد وعبد الجبار العش وبابلو نيرودا. وكأن المخرج بذلك الحضور الهام للشعر والشعراء يرد على من اتهم المثقفين العرب بالصمت وخذلان شعوبهم وأن هذه الانتفاضات كانت عفوية ولا تستند إلى أي إرث ثقافي. و عمد بكري -الذي شارك كممثل في عدد من الأفلام العالمية من بينها " آلام المسيح" لميل غيبسون- أن يجعل الكاميرا تصغي لصوت الشاعر الثائر ولصوت أم الشهيد وللجريح وللثائر المغدور، عدسة منصتة تتواطأ مع النشيد القديم: "إذا الشعب يوما أراد الحياة ، و ".قام المخرج بخلط أوراق هذه المشاهد وفق رؤية جمالية خاصة تنتصر لجبروت الصورة وصخبها وكأنه بذلك يدعم فكرة الانتفاضة المفتوحة التي طالما ردّدها. فجاء الفيلم صاخبا صارخا بالحزن، وبحالة اللايقين التي يعيشها أهالي مدينة ملعونة في كل الأنظمة وأبية في عصيانها. ويقول بكري إن بداية التفكير في هذا الفيلم عندما كنت في روما وأنا أتابع الأخبار عن تالة، وكنت قد شهدت بعض الأحداث قبل مغادرتي إلى روما يوم 25 ديسمبر. وتابعت بعد ذلك إرسال أكثر من 1800 رجل أمن ووحدات التدخل الخاصة إلى تالة، مدينتي التي خرجت منها قبل سنوات طويلة مطرودا من المدرسة الثانوية بعد مشاركتي في احتجاجات ومسيرات ضد النظام البورقيبي".