لا تزال إلى الآن تطرح قضية المرأة الأديبة في الجزائر تحت عنوان كبير "الأدب النسوي"، ورغم ميل النقاد إلى اعتبار الأدب يعبر عن حالة إنسانية، بصرف النظر عن جنس كاتبه سواء أكان رجلاً أو امرأة، فإن الحاجة إلى أدب نسوي يعبر عن المرأة وقضاياها، كما يعبر عن الرجل في الوقت نفسه هو مطلب يزداد إلحاحاً، لا سيما أن معظم الإنتاجات القصصية والروائية التي كتبتها نساء في الوطن العربي، لم تطرح المرأة إلا بوصفها مستضعفة وتتعرض لعنف وقهر الرجل وبوصفها نتاج أزمة سببها الرجل الذي نحّاها بعيداً في مجاهيل الهامش والسجن النسوي. وتنبع أهمية وجود أدب نسائي، لكون معظم نتاجاتنا الأدبية في مجال الرواية والقصة هي نتاجات يكتبها رجال، يتصورون من خلالها المرأة ويفصلونها على أذواقهم في الموضوعات العاطفية والاجتماعية والسياسية وغيرها. من جهة أخرى، برزت في الوطن العربي روائيات عدة قدمن قضية المرأة من زوايا خاصة، تتراوح في طروحاتهن بين التوازن وغيره حتى درجات المبالغة والتعسف، وكأنها في بعض الروايات تعيش سلسلة من العذابات والآلام التي لا تنتهي، فالكاتبة نوال السعداوي تناولت المرأة بردة فعل قوية وعنيفة ضد الرجل، أما غادة السمان فطرحت المرأة من زوايا كثيرة كالتمرد على المجتمع الساكن، وبرغم تركيزها على التفاصيل التي تتعلق بالتشكيل الحيوي للهوية الأنثوية، فإن صبغة التمرد تكاد تنسحب على مجمل رواياتها، التي تؤكد على الوضع البائس الذي تعيشه المرأة العربية. وطرحت الكاتبة علوية صبح من خلال رواياتها المرأة في أكثر من مستوى تلخصه تلك الرغبات المقموعة والتي تهجس بسلطة الرجل دائماً، وكأن المرأة لا تحتل سوى جزء يسير من مساحة الرجل الذي يحضر إما بصفة زوج أو شقيق أو قريب. في كل النماذج المطروحة يلاحظ أن المرأة تعيش إما حالة توتر أو فصام ويندر أن تكون متصالحة مع ذاتها، وهذه الصور النمطية تؤكد على ضرورة وجود أدب نسوي يطرح المرأة بمعزل عن هذه الصراعية التي تجيء مفتعلة في معظم الأحيان، لا سيما أن القوانين التشريعية والمدنية في كل الدول العربية تكاد تجمع على حقوق المرأة، وأن مسألة الحقوق وحرية التعبير وتأرجحها سلباً أو إيجاباً قضية مطروحة عربياً بوصفها مسألة عامة ويعاني منها الرجل والمرأة على حد سواء، كما أن التركيز على إنسانية المرأة وضرورة أن تعيش دورها الطبيعي في المجتمع، هو من القضايا المحورية التي باتت من المسلمات في كافة الشرائع والقوانين العالمية والدولية يرى بعض الكتاب والنقاد العرب أن «الأدب النسوي» هو الأدب الذي تكتبه المرأة فيما يعبّر عن مسائلها الإنسانية والناجمة عن وضعها البيولوجيّ المختلف عن الذكر؛ لذا فإن انعكاس التأثير البيولوجيّ سيؤثر في شكل وموضوع الكتابة لديها. فيما يرى آخرون أن الأدب النسوي هو ذلك الذي يعنى بقضايا المرأة بغض النظر عن جنس الكاتب، وفي ذلك طبعا اتكاء ضمني على نظرية موت المؤلف؛ إذ يحتكم هنا الناقد إلى النص لا إلى المؤلف. تبقى تجربة الكتابة الروائية النسوية في الجزائري ضمن حلقة السياقات العامة للكتابة الجزائرية التي لم تعترف بالقلم النسوي إلا حديثا رغم ثراء التجارب النسوية منذ السبعينيات. وعلى الرغم من تأخرهن إلا أن الكتابات الجزائريات استطعن الالتحاق بمستوى الكتابة في الوطن العربي وهو ما يؤكده هذا الاستطلاع الذي يستعرض تحليلا لواقع تجربة الراية النسوية في الجزائر عددت الشاعرة زينب لعوج عدة أسماء نسوية من الساحة الأدبية خاصة اللواتي كتبن باللغة العربية وكانت على رأسهن الروائية زهور ونيسي التي برزت في القصة والرواية والكتابة المسرحية وهي الأديبة التي ترعرعت وتخرجت من معاهد جمعية العلماء المسلمين لكنها تقول زينب الأعرج كانت اقل حظا من آسيا جبار التي أخذت نصيبها من الترجمة على الرغم من أنها ليست أكثر إبداعا من السيدة ونيسي، فقط لأنها كتبت باللغة الفرنسية. وعليه توضح زينب لعوج أن الكتابة بالفرنسية لاقت رواجا أكثر منذ ظهورها في عشرينيات القرن الماضي في حين أن العربية كانت أقل حظا لأنه لم يكن لها ركائز بحكم الظلم الاستعماري المسلط عليها. إضافة إلى أن الكتابة باللغة العربية تتطلب جهدا لغويا على أساس أنها مربوطة دائما بالمقدس. كما استذكرت زينب لعوج في سياق تقييمها للتجربة الروائية النسوية الراحلة زليخة السعودي التي توفيت في منتصف السبعينيات والتي سعت إلى تقديم إبداع جديد ومتميز بعدما شجعتها أسرتها على خوض التجربة الأدبية خاصة أخوها محمد الموسيقي الذي حاول إدماجها في الثقافة العربية الوافدة من المشرق إذ يحمل إليها كل جديد فيها.
تجارب قالت لعوج أنها صبت تقريبا في موضوع الثورة والتحرر إضافة إلى أن هذه الكتابة ازدهرت في السبعينيات مع صعود جيل مزدوج كان يمثل اندماجا بين الإبداع بالعربية وبالفرنسية. كتابة المرأة في نظر لعوج تندرج ضمن السياقات والإرهاصات العامة للكتابة بكل تنوعها وثرائها، فهي تضيف كما يضيف الآخرون وربما أكثر، لأنّ جمالية النص والعمق الإبداعي والعلاقة الحميمة مع اللغة ليست مرتبطة بجنس المرأة أو الرجل بل في القدرة على خلق ذلك الخيط السحري الشفاف الذي يسمى تواطؤا بين المبدع والمتلقي. هناك أقلام نسائية متميزة في كل الوطن العربي وإبداع المرأة في الجزائر هو جزء منه، لأنّ العالم أصبح قرية صغيرة بحكم التواصل السريع الذي تساعد عليه الوسائل التكنولوجية الحديثة، ونحن نرى يوميا الزخم الكبير وعدد المواقع والمجلات والمكتبات الإلكترونية المختصة في الأدب والإبداع والفن بشكل عام، والتي تسمح باكتشاف الأصوات الجديدة والتي تؤكد بدورها أنّ الهموم الإنسانية المشتركة في الكتابة هي متقاربة ومتشابهة ومتداخلة إلى حد كبير، الوسائل والأدوات والآليات هي التي تختلف من مبدع لآخر وهي التي تخلق التمايز. يرى جلاوجي أن الكتابة النسوية في الجزائر لا تختلف كثيرا مستوى الكتابة في الوطن العربي. أو أنها تأخذ قالب ثقافة المرأة الكاتبة واهتماماتها الأدبية والإنسانية. وكذا آفاقها•• واستشهد جلاوجي من جانبه بتجربة أول روائية جزائرية. الوزيرة السابقة زهور ونيسي التي قال أنها رائدة من رواد الكتابة النسوية في الجزائر والوطن العربي وأنها تقترب من الخط الرجالي إلى حد كبير في موضوعات وكتاباتها. وهي التي كتبت للوطن وقضايا المجتمع الهامة بعيدا عن الذاتية• كما يضرب جلاوجي مثلا آخر بالروائية أحلام مستغانمي معتبرا إياها واحدة من أهم الأقلام الجزائرية في تناولها لقضايا تحرر المرأة والمجتمع وهو ما يميزها منذ بداياتها في الكتابة. ويوضح محدثنا أن هناك تصنيفات للنساء الكاتبات اللائي يكتبن عن أنفسهن وتجاربهن الخاصة دون أن يفضحن أسرارهن. ولكن يكشفن عن اضطهاد المرأة في المجتمع والبيت. ومن هنا فالواقع المعاش حسب الروائي المتميز عز الدين جلالوجي سواء كان مأساويا أو ورديا هو المادة الأولية للكتابة بالنسبة للمرأة والرجل. ويعتقد محدثنا أن الزواج يعتبر واحدا من أهم القيود التي يمكن أن تحول دون حرية المرأة في الكاتبة. ويستبعد جلاوجي أن يكون رابط الزواج عائق أمام المرأة المبدعة والواقع الرائي يؤكد ذلك. من جهتها كتبت الإعلامية سامية مرزوقي على احد المواقع العربية حول موضوع" تجربة الكتابة النسوية في الجزائر"أنها تجربة لا تنفصل عن السياقات العامة للكتابة في الجزائر إلا من حيث الخصوصية والتميز. موضحة أن الكتابة النسوية كمفهوم نقدي وجمالي ظهرت متأخرة في الجزائر. وهو تأخر طبيعي جراء الأوضاع التاريخية والاجتماعية والثقافية التي مر بها المجتمع الجزائري في حركيته التاريخية الصعبة التي لم تعرف الاستقرار والهدوء إلا في فترات قصيرة ومتقطعة، والتي لا يعتد بها، وهي بالضرورة غير كافية لخلق ظروف "سيكو ذاتية" تمكن المرأة الكاتبة من الذهاب المبدع إلى فسحة الذاكرة واستنطاق مكنوناتها وكوامنها وأحزانها المحملة بكثير من القهر والخيبة والانكسار والتشويه الفكري والنفسي الذي ظل لحقب طويلة كماشة محكمة بعيدة عن مفاهيم الدين الحنيف ينظر من خلالها إلى المرأة على أنها الضلع المكسور والرؤية القاصرة والإنسانية المعقدة التي لا يمكنها أن تشارك في بداية أية حركية تمكنها من الخصوصية والتميز. وتؤكد سامية مرزوقي أن المرأة الجزائرية على امتداد مراحل التاريخ كانت مهمشة ومقصية تعيش في ظل الرجل غير أن الرجل في الجزائر أيضا يعاني للأسف هو الأخر كبتا على أكثر من مستوى. وهذا بالأساس من الأسباب الجوهرية التي جعلت المرأة الكاتبة لا تظهر إلا في المراحل التاريخية المتأخرة من نشوء الدولة الوطنية في الجزائر التي أعطت المرأة حقوقها ومكنتها من محاولة رسم مشهد الحياة العامة. أحمد دوغان أديب شغله خطاب الأنثى في الأدب العربي الحديث منذ أواسط السبعينيات في القرن الماضي، ومن أجل هذا الخطاب تنقل في عدد من البلاد العربية وتوصل إلى عدد من الكتب التي تتعلق بهذا الخطاب ولعل أهمها «معجم الصوت النسائي في الأدب العربي الحديث» وليس سراً أن نقول إن كتابه «الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر» يعد المرجع الأول عن الأديبات في الجزائر. حيث قال في كتابه" أن الأدب هو واحد لدى الإنسان مذكراً كان أو مؤنثاً. ولكن قضية الاختلاف موجودة. فإذا عدنا إلى ما تكتبه المرأة فإننا نجد الخصوصية تكمن في التكوين الفكري لا في الشكل الفني. وهذا يتطلب منا أن نقرأ نتاج المرأة بشكل جيد حتى نقف على معاناتها وليس على شكل الكتابة. فالمبدع فنياً لا علاقة له بالذكورة أو الأنوثة وهذا يجعلني أقف عند جزء من السؤال الذي يتعلق بالشك في مقدرة المرأة، أي أن المرأة ليست ناقصة إبداع بدليل أن عدداً كبيراً من اللواتي أبدعن في السياسة والأدب والثقافة ليس على مستوى الوطن العربي حسب إنما على المستوى العالمي لذلك لا ضير في مقولة «الأدب النسوي» لأن الأدب وقع إنساني أما الاختلاف كما قلت سابقاً فيتعلق بالمضمون الفكري لكل جنس". وأضاف أحمد دوغان إن معاجم اللغة تشير إلى عدد من التسميات، يمكننا القول «امرأة» أما الجمع فيكون نساء، نسوة، نسوان وأصل الآن إلى التمييز بين النسوي والأنثوي. فالله سبحانه وتعالى يقول وليس الذكر كالأنثى» وهنا تخصيص للجنس البشري. وعندما يقول القرآن الكريم «الرجال قوامون على النساء» فإن هذا لمعنى لا يتناول الإبداع وإنما هناك معان أخرى تتعلق بالإرث والميراث وغير ذلك. إذاً النساء أو النسوي هي قيمة فكرية وكثير من النقاد لا يصلون إلى هذا المدلول الذي يعطي قيمة أو مكانة للمرأة.