أسيل الكثير من الحبر عن ظاهرة الانتحار في الجزائر ودَقت كل الأطراف ناقوس الخطر أمام ارتفاع عدد المنتحرين، لكن الحديث ظل دائما مرتبطا بالمراهقين والكهول وحتى المسنين من دون الإشارة إلى أن الأطفال هم أيضا معنيون بوضع حد لحياتهم مثلهم مثل الكبار، والأرقام التي قيدتها فرق الأمن الوطني خير دليل على مدى تنامي هذه الظاهرة وسط غفلة الجميع، بإحصاء في ظرف أربعة أشهر من هذه السنة الجارية انتحارين من أصل 81 محاولة من ضمنهم 61 فتاة، فضلا عن دراسة للهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث التي سجلت في ظرف ثلاثة أشهر من السنة المنصرمة ما عدده 22 حالة انتحار لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 9 و13 سنة وكذا ما أعلنت عنه الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان التي سجلت خلال خمس سنوات 1250 محاولة انتحار. يرى المختصون النفسانيون أن انتحار الأطفال يرتبط ارتباطا وطيدا بالأسرة، فإذا توفر شرط الاستقرار الأسري فإن الطفل ينمو نموا سليما وبشخصية متزنة قادرة على تجاوز أي محنة أو مشكل عائلي، وروح متجنبة الدخول في متاهات الرغبة في الانتحار والعكس إذا ولد الطفل في بيت مخنوق بالمشاكل على مدار كل سنوات مرحلته الطفولية فإنه لا محالة يظل يبحث عن المفر الذي يوفر له الراحة وفي مقدمة اختياراته، الرحيل من البيت والاحتماء بالشارع أواللجوء إلى وضع حد لحياته التعيسة أي الانتحار . وتنبه الأخصائية النفسانية ''راضية، م '' الأسرة بأخذ الحيطة والحذر في حال وجود مشاكل مستمرة، وذلك بضرورة إبعاد الطفل عن أي مشادات كلامية أو جسدية بين الأب والأم، كي لا تتولد بداخله رغبة شديدة في البحث عن حياة أخرى يراها متنفسا له ونهاية لمعاناته وفي مقدمتها الاحتماء بالشارع أو الانتحار. وتلفت الأخصائية النفسانية إلى أن ظاهرة انتحار الأطفال في الجزائر غير مستفحلة في مجتمعنا مقارنة بالدول الغربية، لكن مع هذا فالأمر يتطلب من جميع الجهات المعنية الوقوف عند الأرقام المسجلة وقفة جدية وإعادة النظر في كل الحسابات، بشأن الظروف العائلية المناسبة والواجب توفيرها للطفل لأجل أن لا تخترق ذهنه تلك الأفكار التي تزين له رغبة الانتحار للتخلص من المشاكل الاجتماعية. لكل طفل منتحر سبب هم أطفال لا تتعدى أعمارهم ال 16 سنة، ومع أنهم مثلما يقال عنهم ''ملائكة وبراءة'' إلا أن المشاكل العائلية ونتائجها من الطلاق والعداوة بين الأولياء، رمت البعض منهم للتفكير مثل المراهقين والكهول ومشاركتهم في نفس الخيار المحرم وهو ''الانتحار'' . وتسرد لنا المعلمة ''بهية'' عن حادثة وقعت لإحدى تلميذاتها التي كادت أن تموت منتحرة لو لم يعجل بإسعافها، لتبرز لنا المعلمة: ''كانت أسباب انتحار التلميذة -مثلما أخبرتني- تلك الظروف الأسرية القاسية، فلم يكن الأب يراعي أبوته ويغدقهم بالحنان والرعاية ولم تكن الأم تسعى لحمايتهم من قساوة والدهم بل كانت تزيدهم هما وغما وتحملهم مسؤولية طباع والدهم القاسية''. وتتابع المعلمة '' تلميذتي التي لا يتجاوز عمرها ال 12 سنة ومن فرط الضرب والاهانة المتكررة أمام الجميع، لم تجد من سبيل ينتشلها من معاناتها الأسرية سوى الانتحار، وقد لجأت لشرب الجافيل لكن الحمد لله لم تمت بعدما هرع إليها الجيران ونقلوها إلى المستشفى وليتم إسعافها وإنقاذها من موت مخز''. لتردف ذات المعلمة '' لقد كان لمحاولة انتحار تلميذتي وقعا سيئا على نفسية كل أباء وأمهات المدرسة، الجميع شعر بالرهبة من أن يقدم طفله على مثل هذا الفعل، والكل أحس أكثر بمسؤوليته إزاء أطفاله وأدرك وجوب إبعادهم عن المشاكل وتوفير الرعاية حتى يجنبوا إدخال أطفالهم دوامة التفكير في وضع حد لحياتهم '' لتخلص بالقول'' وهذا ما أتمناه، بأن يدرك كل الآباء والأمهات أنهم مسؤولون عن الحفاظ على هذه البذرة حتى تكبر في جو من الحنان بعيدا عن الدلع والإجازة والعقاب حسب طبيعة الإنجاز او الخطأ المرتكب ''. رياض حاول الانتحار بشرب روح الملح بعد طلاق والديه وتحكي السيدة ''عالية'' عن ابن أختها الذي لا يتعدى عمره ال 13 سنة بعد أن حاول الانتحار بسبب خبر زواج أمه وعزمها على نقله للعيش مع زوجة أبيه. وتقول السيدة عالية ''لقد أصبنا بذعر شديد وفاجعة عندما بلغنا خبر محاولة رياض الانتحار لأنه رفض أن يترك أمه ويذهب للعيش مع زوجة أبيه، فقد حاول أن يشرب روح الملح إلا أن جدته أي أمي لحقته قبل أن يشربها''. وتقول الخالة ''لقد حمدنا الله على سلامته لكن لا ننكر أنه لا يزال يعاني الإحباط النفسي بسبب طلاق والديه، لقد انطوى وابتعد عن الناس ''. سارة تنتحر بسبب فشلها في الدراسة تقول السيدة عائشة التي تقطن بالعاصمة وتحديدا بباب الواد: ''الطفلة سارة لا يتعدى عمرها ال 14 سنة ألقت بنفسها من الطابق الثالث لأنها لم تنجح في دراستها، لكن -بحسبها - لم يكن السبب مرتبطا فقط بنتيجة الدراسة بل مرده تلك المعاملة السيئة التي كانت تعاملها بها زوجة أبيها، فقد كانت جد قاسية معها وكانت سارة المسكينة تتحمل وتُمنيّ نفسها بالدارسة كمخرج لها من الجحيم الأسري وعندما فشلت في دراستها شعرت أن كل الأبواب أغلقت في وجهها وأنه لم يعد لها سبيل للهروب من قساوة زوجة أبيها ما دفعها للانتحار'' لتنتهي بالقول ''لقد أخبرت ابنتي قبل أن تظهر النتائج أنها لو أخفقت في الدراسة فإنها ستنتحر والحقيقة لم نأخذ تهديدها على مأخذ الجد واعتبرنا كلامها مجرد كلمات عابرة لا أكثر ولا أقل ''. 1250 محاولة انتحار لأطفال لا تتعدى أعمارهم ال 14 سنة سجلت الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان ما عدده 1250 محاولة الانتحار لدى الأطفال خلال الخمس سنوات المنصرمة، وهو رقم حسب نور الدين بلموهوب عضو بالرابطة، يستدعي من كل الجهات المعنية اتخاذ التدابير القادرة على تجنيب أطفالنا بلوغ مرحلة الرغبة في الانتحار على اعتبار الرقم المقيد لديهم يدق ناقوس الخطر ويعكس مدى فقدان هذا الطفل لأدنى حقوقه من رعاية فعلية يجب أن يوفرها له أبواه على اعتبار السبب المباشر الذي يدعوه لحذو هذا الطريق والذهاب نحو وضع حد لنفسه مرتبط بالجو العائلي الشائك. وأفادت دراسة أعدتها الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث عن تسجيل في ظرف ثلاثة أشهر من السنة المنصرمة ما عدده 22 محاولة انتحار لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 9 و13 سنة، مؤكدة أن محاولات الانتحار كانت وراءها المشاكل العائلية وشعور الطفل بالغبن ووقوع الطلاق بين الوالدين. وأبرزت رئيسة مكتب الأمومة والطفولة بالشرطة القضائية خيرة مسعودان ارتفاع نسبة الانتحار لدى فئة الأطفال مقارنة بأرقام السنة المنصرمة، حيث وصل عدد المنتحرين إلى 6 من أصل 247 محاولة انتحار مسجلة، بينما تم إحصاء في ظرف أربعة أشهر من هذه السنة الجارية، انتحارين واحد بولاية وهران بعد أن أقدم طفل على الانتحار شنقا وبباتنة ويتعلق الأمر بطفلة ألقت بنفسها من شرفة شقة بالطابق الخامس. وهما انتحاران من أصل 81 محاولة انتحار لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 16سنة، من ضمنهم 61 فتاة. وتفيد رئيسة مكتب الأمومة والطفولة، أن فترات إقدام الأطفال على الانتحار غالبا ما ارتبطت بزمن نهاية الفصول الدراسية أو العام الدراسي أي تكون عقب الإعلان عن النتائج المدرسية.