اجتاز مشروع قانون منع النقاب في الفضاء العام في فرنسا آخر عقبة تشريعية من خلال التصويت الذي جرى مؤخرا في مجلس الشيوخ. ويأتي هذا التصويت بعد شهرين على تصويت مماثل جرى في مجلس النواب، ما يعني أن مشروع القانون أقر نهائيا بعد أن صوت عليه المجلسان بالصياغة نفسها. وبذلك تكون فرنسا أول بلد أوروبي يبادر إلى سن تشريع يمنع ارتداء البرقع ارتداء كاملا في الأماكن العامة على اختلاف أنواعها، بما في ذلك الساحات والشوارع تحت طائلة الغرامة. وهكذا، بعد عام كامل على بداية الحديث عن منع النقاب، وبعد عام من الجدل حول ما إذا كان من الأجدى تفضيل المنع الجزئي أو المنع الشامل، حسم المشرع الفرنسي أمره واختار، بناء على مشروع قانون رفعته إليه الحكومة، الحل الجذري ولكن دون أن يتضمن القانون الجديد أي إشارة إلى البرقع أو النقاب لتحاشي أن يكون في ذلك مس بالمسلمين. ولذا، فإن القانون الجديد الذي عليه أيضا أن يجتاز عقبة المجلس الدستوري قبل أن يصبح نافذا، يمنع ''تغطية الوجه'' ويعاقب بالغرامة ''150 يورو'' المرأة المخالفة. أما الرجل الذي يلزم فتاة أو امرأة على ارتداء النقاب فيمكن أن يحكم عليه بالسجن مدة عام ودفع غرامة تصل إلى 30 ألف يورو. وهكذا، فإن فرنسا التي منعت ارتداء الحجاب في المدارس العامة قبل 5 سنوات تحت مسمى حظر ارتداء ''الشعائر الدينية'' تعول على القانون الجديد لتمنع عدوى ارتداء النساء المسلمات للنقاب. غير أن أصواتا كثيرة تنبه إلى صعوبة تطبيق القانون الجديد وما قد يثيره من مشكلات اجتماعية، خصوصا في ضواحي المدن التي تتجمع فيها غالبا الجاليات المتحدرة من أصول اجتماعية. أما إذا لم يعترض المجلس الدستوري على القانون الجديد، وهو ليس الاحتمال الأكثر ترجيحا، باعتبار أن منع النقاب يشكل افتئاتا على الحرية الفردية ولا مسوغ قانونيا له في الدستور طالما لا يشكل ضررا للغير، فإن أمام معارضي القانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي بإمكانهم اللجوء إليها. فضلا عن ذلك، يرى هؤلاء أن سن تشريع يتناول أقل من ألفي امرأة - هو عدد النساء المنتقبات في فرنسا وفق إحصائيات الأجهزة الأمنية وثلث هؤلاء من الفرنسيات اللواتي اعتنقن الدين الإسلامي - ''غير مبرر'' و''تضخيم لظاهرة هامشية'' لا بل ''استغلال لها لأغراض سياسية''. ويأتي القانون الجديد في سياق سياسة أمنية متشددة تبنتها الحكومة الفرنسية منذ أوائل الصيف الحالي وعكسها خطاب الرئيس ساركوزي في 30 جويليه في مدينة غرونوبل (جنوب شرقي فرنسا). غير أن انطلاق النقاش حول ارتداء البرقع وما يمثله من خطر على الهوية الفرنسية ومن تنكر للمبادئ الأساسية للجمهورية، ومنها مبدأ العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة، تفاقم مع إطلاق وزير الهجرة إريك بيسون النقاش رسميا عن مقومات الهوية الوطنية وإعلان ساركوزي العام الماضي أن ''النقاب غير مرحب به على الأراضي الفرنسية''. وتداخلت الأمور في بعضها، فيما استسهلت وسائل الإعلام عملية الخلط بين البرقع والإسلام والحجاب والمواطنة. وجاء حديث الرئيس ساركوزي عن نزع الجنسية عن الفرنسيين من أصول أجنبية الذين يعتدون على حياة رجال الأمن أو ممثلي السلطة، وكذلك تكثيف طرد الغجر من أصول رومانية وبلغارية وتدمير مخيماتهم ليخلط الحابل بالنابل، وليحمل، في ذهن الفرنسي العادي، الأجنبي مسؤولية الإخلال بالأمن وانتهاك القوانين، وهو ما أثار انتقادات حادة ضد فرنسا في الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والكنيسة الكاثوليكية فضلا عن انتقادات الداخل. لكن استطلاعات الرأي تفيد بأن غالبية من الفرنسيين تؤيد منع ارتداء النقاب. ورغم أن النواب الاشتراكيين الذين يشكلون عصب المعارضة في المجلس النيابي رفضوا المشاركة في التصويت، فإن الانقسام حول الموقف الواجب الالتزام به يصيب اليسار الذي يريد هو الآخر منع النقاب. ولن يدخل القانون، إذا لم يعترض عليه المجلس الدستوري، حيز التنفيذ الفعلي، إلا بعد ''مرحلة تثقيفية'' من 6 أشهر تعول عليها الحكومة لتعويد الناس مثلما حصل مع قانون منع التدخين في المقاهي والمطاعم والأماكن العامة (باستثناء الشارع). وقالت الخارجية الفرنسية إنها ''لم تتلق أي احتجاجات رسمية'' على سن القانون الجديد، مرجعة ذلك إلى ''العمل الجيد'' الذي قام به الدبلوماسيون الفرنسيون في الخارج لشرح دوافع القانون وأبعاده.