قررت باريس زيادة ساعات بث برامج قناة ''فرانس 42'' الفضائية الناطقة بالعربية من 01 حاليا إلى بث مستمر على مدى أربع وعشرين ساعة اعتبارا من 41 أكتوبر الجاري. ويُعتبر هذا البث موجها في الدرجة الأولى إلى سكان المغرب العربي بالنظر للمضمون وهوية المنتجين والمذيعين. وفي هذا الإطار استكملت مجموعة ''كنال بلاس'' الفرنسية هذه الأيام إجراءات إطلاق باقتها من القنوات الموجهة إلى المغرب العربي. وتقول التقارير الفرنسية إن المجموعة تستهدف الوصول إلى 31 مليون أسرة في كل من الجزائر والمغرب وتونس، بينها 01 ملايين بيت مجهز حاليا ب ''البارابول''. واستعدت المجموعة الفرنسية لهذا الاجتياح الثقافي واللغوي بالتوقيع على اتفاق مع عربسات يُتيح لها الانتشار دوليا من خلال فرعها CANAL OVERSEAS و''نشر الثقافة الفرنسية خارج حدود فرنسا''. وعينت مندوبين لها في كل من الجزائر والمغرب وتونس باشروا بيع مفاتيح التشفير للمواطنين بسعر 42 دينارا (81 دولارا) للشهر الواحد. وتشمل الباقة التي تضم 53 قناة، المحطات الإخبارية ''تي أف 1'' و''أنتان 2'' و''أف آر 3''، وقنوات منوعات ورياضة وسينما وثقافة. اختراق ثقافي استراتيجي ورأى علماء اجتماع أن هذا الهجوم الودي يشكل اختراقا ثقافيا استراتيجيا سيُؤثر سلبا على نسبة مشاهدة القنوات العربية، التي لوحظ أنها باتت تشد بمحتواها المهني الجيد حتى النخب الفرانكفونية في المستعمرات الفرنسية السابقة في المنطقة وهي المغرب والجزائروتونس وموريتانيا. ويمكن القول إن هذا الاختراق الآتي من باريس يتكامل مع التحدي الآخر المتمثل بانتشار المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية الخاصة المحلية، التي تعتمد على المزاوجة بين العربية والفرنسية، والتي تسعى من خلال المسلسلات والبرامج الحوارية لاستقطاب مشاهدين على حساب القنوات الفضائية العربية. ففي تونس مثلا التي تُعتبر من أقل الدول المغاربية انفتاحا هناك حاليا محطتان تتنافسان هما "هنيبعل'' و''نسمة تي في'' (التي تملك شركة تابعة لمجموعة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني 05 في المئة منها)، والثالثة في الطريق وهي ''تي تي 1'' التي حصلت على الترخيص. وكانت قناة ''أفريكا 42'' الإخبارية الفرنسية الموجهة للقارة الإفريقية فتحت رأس مالها العام الماضي لمساهمين من بلدان إفريقية بينها مصر والمغرب، في خطوة دلت على احتدام المنافسة بين القنوات الأجنبية لكسب ود المشاهدين العرب والأفارقة. ووصلت المفاوضات مع كل من مصر والمغرب وإفريقيا الجنوبية إلى مراحل متقدمة تمهيدا لانضمامها إلى المساهمين الكبار في تمويل القناة. ولوحظ أن تأسيس القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية تتابع في السنتين الأخيرتين من أجل التواصل مع اثنين وعشرين بلدا عربيا من دون وسطاء، فالولاياتالمتحدة أدركت في ظل الإدارة السابقة أن احتلالها العراق وانحيازها المطلق لإسرائيل سددا ضربة قاصمة لصورتها لدى العرب والمسلمين، فعملت في أواخر عهد الرئيس جورج والكر بوش على رأب الشرخ العميق، ليس بمراجعة سياساتها وإنما بتشكيل إدارة متخصصة بالعلاقات العامة، أي بتحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالم العربي وتسويق سياساته. وفي مقدم الأدوات التي اهتدى لها الفريق العامل مع السفيرة كارين هيوز التي كلفت إدارة العملية إطلاق قناة ''الحرة'' الفضائية الناطقة بالعربية واستبدال إذاعة ''صوت أمريكا'' ب''إذاعة سوا''، بالإضافة لإطلاق مجلة ''هاي'' التي سرعان ما تقرر توقيف إصدارها لإفلاسها تجاريا وسياسيا. وحذت فرنسا حذو الولاياتالمتحدة، وهي التي تعتبر نفسها أقدر على فهم العالم العربي، فأطلقت القناة الإخبارية ''فرنسا 42'' التي تبث برامجها بلغات ثلاث هي الإنكليزية والعربية والفرنسية. وسرعان ما اقتفت ألمانيا، غريمة فرنسا التقليدية، خطى جارتها اللدودة فأطلقت قناة ''دويتش فيليه'' (صوت ألمانيا) بالعربية لمدة أربع ساعات في اليوم في البداية ثم زادت ساعات البث تدريجا إلى الضعف حاليا. ولم يكن من المنطقي أن تبقى بريطانيا، وارثة الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغرب عن مستعمراتها، وخاصة في المشرق العربي من العراق إلى جنوب اليمن، خارج حلبة السباق فأطلقت بدورها قناة ''بي بي سي'' العربية، مستثمرة الاسم التجاري الناجح للإذاعة التي تحمل الاسم نفسه، والتي كان المستمعون العرب يعتبرونها أصدق من محطاتهم الإذاعية وصحفهم المحلية. الروس والصينيون وقبل البريطانيين نسج الروس على منوال الأمريكيين والفرنسيين فأطلقوا قناة "روسيا اليوم'' بالعربية مستفيدين من طواقم المستعربين الذين تخرجوا من معهد الدراسات الشرقية العريق في موسكو ومستثمرين في الوقت نفسه علاقاتهم القديمة مع كثير من البلدان العربية. وأطلقت تركيا من جهتها قناة فضائية باللغة العربية في سياق الانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي على العرب الذي تقوده بإصرار حكومة أردوغان، والذي أفضى إلى مصالحة تاريخية مع سورية وتحسين شعبية تركيا لدى الرأي العام العربي، خصوصا بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على سفن أسطول ''الحرية'' التي كانت متجهة إلى غزة. ومع إطلاق القناة الفضائية الصينية بالعربية أخيرا تكون حلقة القوى العظمى، وهي البلدان الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، قد اكتملت. واعتبر محللون أن اختيار السلطات الصينية إطلاق فضائية بالعربية له علاقة بالأحداث الدموية التي اهتز لها اقليم سينغيانغ والمواجهات بين غالبية الايغور التي تدين بالاسلام وأقلية الهان، ما عكس رغبة من جانب بلد كونفيشيوس في تطويق تداعيات تلك الاحداث على العلاقات بين الصين والدول العربية والاسلامية. وكانت لدى الصينيين تجربة سابقة في اطلاق قناة بالإنكليزية لمخاطبة الاوساط الشعبية وليس الرسمية في الغرب. في المُحصلة هناك حاليا أكثر من ألفين وخمسمئة قناة فضائية في العالم، وهو عدد قابل للارتفاع في كل حين، بينها نحو أربعمائة وتسعين قناة عربية ما يجعل المشاهد الذي يفهم اللغة العربية مُهددا بتخمة من الفضائيات التي تنبت كل يوم مثل الفقاع. لكن هذا التعدد بات يشكل في ذاته عقبة أمام إقبال المشاهدين العرب على هذه القنوات الفضائية الأجنبية. فبالإضافة إلى كونها تنافس بعضها البعض، لم تستطع أي منها تحقيق اختراق يضعها في موقع يقترب من منافسة قناة ''الجزيرة'' التي تتصدر القنوات الإخبارية الناطقة بالعربية من دون منازع، في انتظار تحسين ''المنتوج المحلي'' وفتح قنوات تلفزيونية خاصة في إطار شراكة مع الدولة في الجزائر على سبيل المثال.