لا شك أنّ المجتمع الجزائري بكل فئاته العمرية أصبح متابعا لما اصطلح على تسميته بقضية أوراسكوم الجزائر (جازي)، التي سقط عنها القناع بعد تعنت القائمين عليها ودوسهم على القوانين الجزائرية المسيرة لطبيعة الاستثمار من خلال دفتر شروط متفق عليه، وربما يدخل سبب متابعة الجزائريين لهذا الملف، باب الفضول والتطفل أو باب الاستغراب، وفي كلتا الحالتين يبقى الأمر مدعاة للتساؤل، فجميعنا يعلم بأنّ عدد المشتركين في جازي لا يقل عن خمسة ملايين مشترك، وهو رقم ليس بالهيّن، وعليه يطرح السؤال التالي: ما مصير هؤلاء المشتركين في حال بيع جازي؟ اوراسكوم الجزائر، ولجت باب الاستثمار في قطاع الاتصالات بالجزائر العام (أصبحت حيّز التنفيذ) ولا أعتقد أنّ هناك شخصا عاقلا في الجزائر يجهل طبيعة العقد الذي أبرم بين أوراسكوم تلكوم المصرية مع السلطات الجزائرية، كونه لم يمت بأدنى صلة للجوانب الاقتصادية المتعارف عليها دوليا، بل تمّ باسم الأخوة والعروبة والتاريخ المشترك...الخ، بالرغم من تواجد شركات عالمية عملاقة تقدمت من أجل الظفر بصفقة الاتصالات في الجزائر كأول متعامل أجنبي في سوق النقال، على غرار فرانس تلكوم، ومع ذلك لم يتوان القبطي المصري نجيب ساوريس مالك مجمّع أوراسكوم تلكوم، عن عظ اليد التي مدّت له، بداية بإقدامه على بيع مصنع الاسمنت (الأبيض) المتواجد بالمسيلة إلى شركة لافارج الفرنسية دون إعلام أو إخطار السلطات الجزائرية، وقد تمّت الصفقة في الظلام وبسعر خيالي مقارنة بما سدّده هو (بشكل رمزي)، كما أنّه قام بالتحايل على القانون الجزائري الجبائي، بإقدامه على عمليات تحويلات بطرق غير شرعية فضلا عن الضرائب التي تلاحقه لتسديد ما عليه مثل باقي المتعاملين في هذا القطاع. ساوريس، الرجل الذي حظي بتكريم خاص من طرف الجزائريين بمنحه عدّة امتيازات في مجال الاستثمار بالجزائر، نعت السلطات الجزائرية بشتى النعوت، واتهمها بالبلد الذي لا يمكن الاستثمار به....إلى غير ذلك من الكلام القبيح. ساوريس، تهرّب من الضرائب واستفاق على فكرة إدماج أوراسكوم تلكوم مع شركة فيمبلكوم الروسية، بالرغم من استفادة هذه الأخيرة من امتلاك حصة 7,15 بالمائة من أوراسكوم تلكوم القابضة من خلال شركة ''ويذر انفستمنتس'' الإيطالية والمتخصصة في الهواتف الجوالة، وهو ما يعني أنّ الرجل (أي ساوريس) يريد التخلص من جازي في أقرب الآجال لتغطية عيوبه، حتى ولو كان ذلك لغير صالحه، مع العلم أنّ ساوريس كان قد اقترح على السلطات الجزائرية مبلغ 5,7 مليار دولار مقابل بيع جازي، في حين أصرّت الجزائر على دفع مبلغ 2 مليار دولار لا غير. لقد تحوّلت قضية أوراسكوم تلكوم إلى مسألة دولية ودبلوماسية على وجه الخصوص، بما أنّها تشكل أحد المحاور الهامة لزيارة الرئيس الروسي ديميتري مدياديف إلى الجزائر (أمس الأربعاء). إنّ ما يحيّرني حقا ليس تنصل الطرف المصري ونكرانه جميل الجزائر عليه، بل ما يحزّ في نفسي هو استمرار نجيب ساوريس في ارتكاب الحماقات، وبإقدامه على إدماج شركته مع الشركة الروسية بغرض الهروب من تبعات ما ينتظره في الجزائر، فإنّه بذلك ينسى أو يتناسى بنود العقد الموقع بينه وبين الجهات الجزائرية الوصية والمتعلق بحق الشفعة، فمهما حاول فإنّ عملية بيع جازي لا يمكنها أن تتم إلا بموافقة السلطات الجزائرية. من جهة أخرى أستغربُ وقاحة ساوريس، الذي يشبه في هذا المقام الحيوان الجريح الذي يعتقدا بأنه لا يزال محافظا على قواه بيد أنّ الحقيقة غير ذلك، فساوريس يعتقد أنّ ''دخول الحمام مثل خروجه''! ويعتقد أنّه بمقدوره تجاوز كل المشاكل المطروحة بفضل علاقاته هنا وهناك. ملف جازي، لا زال مطروحا للنقاش، وإن كانت المساعي مستمرة للوصول إلى قناعة مشتركة في ظل احترام القوانين المسيرة للاستثمار في بلادنا، وهو الأمر الذي يرفضه ساوريس جملة وتفصيلا. أعتقد أنّه ما كان لشخص مثل نجيب ساوريس ولوج عالم الاستثمار في الجزائر، فهو ليس من النوع الحر الذي يقول للمحسن أحسنت والمسيء أسأت. فقد أفصح ساوريس صراحة عن نواياه من خلال تصريحاته النارية، التي ما فتئ يقصف بها كل ما هو جزائري، خاصة بعد الأحداث المأساوية الكروية، التي ذهب ضحيتها البعثة الرياضية الكروية الجزائرية بالقاهرة، بعد أن استهدف مواطنون الحافلة التي كانت تقل الوفد الجزائري، برشقها بالحجارة في سابقة عدّت هي الأولى من نوعها في العالم العربي وغيره من الأمم المتحضرة.