لم توفر اتفاقية خفض التصعيد في إدلب وما تضمنته من بنود تشدد على ضرورة تجميد كافة أشكال الأعمال القتالية من قصف وتحركات عسكرية، في ختام القمة الروسية التركية في 17 سبتمبر/أيلول 2018، سوى جانب آخر من المعاناة لملايين السوريين، عكس ما كان متوقعا. إذ عصفت بإدلب -معقل الثورة الأخير في الشمال السوري- موجة من التفجيرات والاغتيالات وانتشار مريب لعصابات السلب والنهب والخطف مقابل فدى مالية في الآونة الأخيرة، وذلك على الرغم من إعلان الفصائل المسيطرة على المنطقة -وأبرزها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)- اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الخروق وبسط الأمن في منطقة يقطن فيها ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة. أكثر الهجمات دموية منذ سريان الهدنة وقعت في حي القصور وسط المدينة في 18 فبراير/شباط 2019، حيث أودى انفجار سيارتين مفخختين مركونتين قرب تجمع سكني بحياة أكثر من 16 شخصا، بينهم نساء وأطفال ومسعفون، وإصابة ثمانين آخرين بجروح خطرة، أحدهم متطوع في منظمة الخوذ البيضاء، تم نقله على الفور للمشافي التركية مع عدد من المصابين لتلقي العلاج، وفق ما أفاد به مصدر طبي من مشفى العيادات الجراحي للجزيرة نت. لحظة وصول فرق الإنقاذ إلى حي القصورفي إدلب بعد انفجار سيارتين مفخختين (الجزيرة) خروق الخروق الأمنية المستمرة على أكثر من صعيد في عموم الشمال السوري أثارت الشكوك، وطرحت تساؤلات في أوساط السكان المحليين حول جدوى انتشار حواجز التفتيش في مداخل المدن والبلدات ومخارجها، وعلى الطرق الرئيسية التي تسلكها العصابات وتمر عبرها السيارات المفخخة ووسائل نقل العبوات الناسفة والمواد المتفجرة. ورجَّح الناشط الإعلامي عمر حج قدور أن تكون التفجيرات وعمليات الخطف في الشمال السوري ممنهجة تنفذها خلايا تتبع للنظام السوري وروسيا وتنظيم الدولة، خاصة أنها تستهدف بالدرجة الأولى الكوادر الطبية وأصحاب رؤوس الأموال، بهدف بث الرعب في نفوسهم وإجبارهم على مغادرة البلاد، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم معاناة ملايين السوريين على الصعيدين الطبي والاقتصادي. وأشار قدور في حديث للجزيرة نت إلى أن تدخل الفصائل المقاتلة في عمل الأجهزة الأمنية وتهميش أصحاب الاختصاصات والخبرات في السلك الأمني، جميعها عوامل أسهمت بتدهور الوضع في إدلب. خطة روسية التصعيد الميداني في إدلب تزامن مع تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كشف عن إعداد قادة عسكريين روس خطة للقضاء على جبهة النصرة التي سيطرت على كامل محافظة إدلب، كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير عزمه على استعادة السيطرة على كامل التراب السوري. ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي أن حدة تصريحات موسكو ودمشق توحي بإخفاق الدول الضامنة في تحقيق تقدم إضافي في اتفاق خفض التصعيد خلال قمة سوتشي الأخيرة، وهذا ما يفسر لجوء روسيا للتصعيد العنيف في إدلب في محاولة لتأليب السكان المحليين على تركيا ووضعها في مأزق كونها أحد الضامنين. وأشار عاصي إلى أن موسكو تعول على عدم رغبة أو قدرة أنقرة على التصعيد وتسخين الجبهات مثلما حصل في معركة رد الطغيان مطلع عام 2018، حين استعادت المعارضة المسلحة -بإيعاز تركي- السيطرة على عدد من المدن والبلدات شرقي إدلب. ووفقا للباحث عبد الوهاب عاصي، فإن مصير الشمال السوري قد يرتبط بتفاهم بين الدول الضامنة يعكس شكلا من أنواع المقايضة بين المنطقة العازلة غرب الفرات والمنطقة الآمنة شرقه، في حال أقدمت موسكووأنقرة على اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة. حركة نزوح لعشرات العائلات من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي (الجزيرة) تصعيد خطير وتعرّضت إدلب مؤخرا لقصف مدفعي وصاروخي عنيف من قبل قوات النظام السوري، استهدف مدن خان شيخون ومعرة النعمان جنوبا وبلدات اللطامنة وكفر زيتا شمال حماة. ووفق آخر إحصائية صدرت عن منظمة الخوذ البيضاء، فإن أكثر من 25 شخصا قتلوا وأصيب العشرات بجروح منذ بدء حملة القصف في الثامن من فبراير/شباط الجاري، وتسبب القصف كذلك بحركة نزوح كبيرة للعوائل باتجاه المخيمات قرب الشريط الحدودي مع تركيا. وأعلنت المعارضة السورية المسلحة أنها استهدفت بالصواريخ والمدافع مواقع وثكنات عسكرية لقوات النظام السوري بريف حماة، كنوع من الرد على خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه موسكووأنقرة. وقال مصدر عسكري في جيش العزة -أحد مكونات الجيش السوري الحر- في حديث للجزيرة نت، إن حملة القصف خطوة في طريق قوات النظام السوري وحلفائها إطلاق عملية عسكرية بهدف إحراز تقدم جنوب إدلب، مشيرا إلى أن جميع فصائل المعارضة المسلحة رفعت جاهزيتها لصد الهجوم المحتمل.