تعيش حركة النهضة على وقع احتقان داخلي برز جليا عبر تدوينات ورسائل لأبرز قياداتها، وسط اتهامات لمكتبها التنفيذي ورئيسه راشد الغنوشي بالانحياز لدوائره المقربة، وعدم احترام إرادة "كبار الناخبين" التي أفرزتها نتائج الانتخابات الداخلية لوضع المرشحين على القوائم التشريعية. وكان المكتب التنفيذي للنهضة قد أدخل تغييرات على القوائم الأولية لمرشحيه للانتخابات التشريعية، في خطوة اعتبرها كثيرون انقلابا على إرادة القواعد وكبار الناخبين، في حين رأى آخرون أن الغنوشي تصرف وفق الصلاحيات التي يجيزها له القانون الداخلي للحركة. وبحسب المعطيات التي حصلت عليها الجزيرة نت فقد رفض كل من القيادي عبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي الانصياع لقرارات المكتب التنفيذي بعد إزاحتهم من قوائم "تونس الكبرى" وتعيينهم في كل من دائرة الكاف ونابل. ولعل رسالة مسربة تأكدت الجزيرة نت من صحتها للقيادي عبد اللطيف المكي كشفت حجم الخلاف داخل النهضة، وما وصفه الرجل ب"شعور الظلم" الذي يعتريه وقيادات من النساء والشباب في الحركة على ضوء قرارات المكتب التنفيذي. واعتذر المكي في الرسالة ذاتها عن عدم قبوله ترؤس القائمة التشريعية لدائرة محافظة الكاف، وهو الذي حقق فوزا ساحقا في دائرة تونس 1، خلال الانتخابات التمهيدية، مستغربا قرار نقله وموجها عبارات لوم قاسية لراشد الغنوشي. المكي وصف قرار رئيس الحركة بالترشح للتشريعية وترؤس قائمة "تونس 1" بالمرتجل، داعيا إياه مقابل ذلك إلى احترام بقية الناخبين على مستوى الترتيب،وختم قائلا "وإني أدعو بعض القيادات إلى أن يعينوا إخوانهم بالصمت إذا لم يستطيعوا رد المنكر وأدعو رئيس الحركة أن يتقي الله في حركتنا وشبابنا ونسائنا وإخوتنا". إقصاء ممنهج وغير بعيد عن مواقف الجلاصي والمكي الغاضبة، عبر زميلهم في الحركة محمد بن سالم في تصريح للجزيرة نت عن رفضه للتغييرات التي أجراها المكتب التنفيذي بشأن أسماء المرشحين للتشريعية خصوصا رؤساء القوائم. وتصدر بن سالم قائمة دائرة زغوان خلال نتائج الانتخابات الداخلية للحركة ليجد نفسه مقصى من رئاسة القائمة، ومتذيلا المرتبة الثالثة، وهو ما وصفه بالإقصاء الممنهج لخيارات كبار الناخبين، وأعضاء مجلس شوراها المركزيين داخل المحافظات. وأضاف "لا أريد التجني على الحركة ولا على رئيسها، لكن من غير المعقول أن أتباهى بانتخابات داخلية ديمقراطية غير مسبوقة يقوم بها حزب سياسي، ثم أرمي بنتائجها عرض الحائط".بن سالم اعتبر أن قرارات المكتب التنفيذي أقصت القيادات النسوية التي مثلت علامة فارقة في الانتخابات التمهيدية على القوائم التشريعية، إثر فوز 17 امرأة برئاسة القوائم، ولكنهن وجدن أنفسهن خارج السباق باستثناء واحدة أو اثنتين. ولا يخفي القيادي خشيته على مستقبل الحركة بسبب ما وصفه بإقصاء الأصوات الحرة والناقدة، مضيفا "مواقفي في الدفاع عن الديمقراطية داخلها لن يتغير، وما زال عندي أمل في أن يرجح رئيس الحركة والحكماء داخلها صوت العقل درءا لأي بلبلة قد تحدث". تدوينات أخرى لقيادات من حركة النهضة لا تخلو بدورها من رسائل مباشرة ومبطنة، حيث كتب سمير ديلو "الجوّ خانق .. أفكر جديا في الاعتزال"، في حين راجت أنباء عن تقديمه لاستقالته من الحركة نفاها لاحقا. كذلك رفض عضو مجلس شورى الحركة زبير الشهودي إزاحة المكتب التنفيذي للنساء من تصدر القوائم. حوار مفتوح من جانبها، أكدت القيادية وعضو المكتب التنفيذي للنهضة محرزية العبيدي أن المكتب مارس صلاحياته بموجب لوائح مجلس الشورى والنظام الداخلي للحركة الذي يخول لأعضاء المكتب ورئيسه ترشيد وتريب القوائم التشريعية. وشددت في حديث للجزيرة نت على أن الانضباط الحزبي والالتزام بقرارات المكتب التنفيذي يعد السمة البارزة لقواعد الحركة وأعضائها، ولكنه لا يعني عدم إبداء الرأي المخالف، لا سيما في المحطات السياسية الفارقة، على غرار الانتخابات التشريعية. وأوضحت أن فضاء الحوار بين قيادات الحركة ومكتبها التنفيذي يبقى مفتوحا بهدف الحصول على قدر من التوافق حول القوائم التشريعية، لضمان تماسك الحركة ووحدتها. يشار إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس حددت تاريخ 22 يوليو/تموز المقبل موعدا رسميا لفتح باب الترشح للانتخابات التشريعية، بينما ينتظر من رئيس الجمهورية المصادقة على القانون الانتخابي.