قد يعجز المسلم عن عمل الخير الذي يصبو إليه؛ لقلة ماله، أو ضعف صحته، وقد يجتهد في فعل الخير ولا يدرك موقعه، لكنه إذا كان صاحب نية صالحة وعزيمة صادقة فإنه يُرفع بنيته إلى درجة العاملين، فالله المطلع على خبايا النفوس يرفع المخلص إلى مراتب العاملين الموفقين؛ لأن علوّ همته وصدق نيته أرجح عند الله عز وجل من عجز وسيلة عبده وقلة حيلته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعْباً، ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر)، وفي رواية مسلم: (إلا شركوكم في الأجر)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أتى إلى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)، وفي الحديث الآخر: ذكر الرجل الذي رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً فتمنى مثل مال فلان ليعمل عمله الصالح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهما في الأجر سواء). والنية الصالحة تنيل صاحبها الأجر وإن لم يوفق المخلص لوضع الأمر في موضعه، كما في قصة الذي تصدق على زانية وعلى غني وعلى سارق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ).