عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قد أفلح من أسلَمَ ورُزقَ كفافا وقَنّعَهُ اللّهُ بما آتاهُ) رواه مسلم. والقناعة متعلقة بالرضا، فإذا رضي العبد عن ربه قنع بما قسم الله له وقلبه مطمئن مرتاح لذلك. والقناعة تناقض التكالب على الدنيا سعيا وراء متاعها الزائل، سواء كان حلالا أم حراما. فالمؤمن يقنع بالحلال ولو كان قليلا، ويمقت الحرام ولو كان كثيرا. وقناعته لا تقعده عن الكسب ولا عن أخذ ما هو صالح من غيره، لكنها تناقض الحسد لمن آتاه الله رزقا وفيرا، وتناقض تكليف النفس فوق طاقتها طمعا في المزيد من متاع الدنيا، وتناقض الكسب مع التفريط بفرائض الله وعبادته. والقناعة يحتاجها الغني والفقير وكذلك يحتاجها من كان رزقه كفافا بين الغنى والفقر، لأن القناعة في القلب ولا علاقة لها بما في اليد من مال. ومن قنع بما آتاه الله وجد طمأنينة القلب والسعادة، قال الله تعالى: (مَن عَمِلَ صالِحا مِن ذَكَر أو أنثى وهو مُؤمن فلنحيينهُ حياة طيبة) قال كثير من أهل التفسير: الحياة الطيبة في الدنيا هي القناعة. وقيل أيضا في قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم) هو القناعة، وفي قوله تعالى: (وإن الفجار لفي جحيم) هو الحرص في الدنيا. وقد ذم الله تعالى التكاثر في متاع الدنيا وعدّه من الملهيات: (ألهاكُمُ التَكاثُرُ حَتّى زُرتُم المقابِرَ) وهكذا يفلح من قنع بما آتاه الله تعالى وكان رزقه كفافا على قدر حاجته، وسطا بين الغنى والفقر، وهو أفضل من كليهما، لأن خير الأمور أوسطها، فرب غني ألهاه غناه عن معرفة ربه ورب فقير شغله فقره واكتساب قوته عن عبادة ربه.