يصنف النحل من ضمن الحشرات التي يعكف العلماء على فك شفرات خارطتها الوراثية (الجينيوم) وهو ما يسهل فهما أفضل لأوجه الشبه والاختلاف مع حشرات أخرى، كما يعتبر النحل من فصيلة apis mellifera ضمن نادي النخبة التي تم فك شفرتها الوراثية· وتقوم اليوم بعض الجامعات الأمريكية ومراكز بحث عديدة بمحاولات فك اسرار جينيوم النحل وكشف أسراره على غرار جامعة الينوي، لكن لماذا وقع الاختيار على النحل؟ يجيب البروفيسور "روبنسون" استاذ البيولوجيا بجامعة الينوي "النحل هو الملقح الرئيسي على كوكب الأرض، وهو كفيل بتوفير ما بين عشرة وعشرين بليون دولار وهو كفيل بتوفير ما بين عشرة وعشرين بليون دولار من الغذاء المنتج في الولاياتالمتحدة وحدها سنويا"· ويكتسي النحل اهمية كبيرة بالنسبة للعلماء باعتباره من الكائنات النموذجية للبحث العلمي، وحسب روبنسون يستعمل النحل للدراسة في كثير من الحقول العلمية المتنوعة من بينها امراض الحساسية وعلم الأعصاب، وعلم السموميات باعتبار النحل يعيش في مجتمعات معقدة، فإنه بإمكاننا ملاحظة الخصائص التي يبديها تبعا للحياة الاجتماعية المعقدة· وبدعم من وزارة الزراعة الأمريكية ومعاهد الصحة الوطنية بدأ العمل في فك شفرات النحل الوارثية، في ديسمبر، قام "جورج ونيستوك "وزملاءه، في كلية بيلور للطب في هيوستن، من أجل فك تسلسل الجينوم، وقام الباحثون اولا بعزل الحمض الريبي النووي المنزوع الأوكسجين (الدي أن ايه) للنحل، ثم قسموه إلى قطع صغيرة وقاموا بفك تسلسل كل قطعة من قطع الموارد الوراثية، وفي نهاية المطاف وضعت القطع ثانية معا في ترتيبها الصحيح بواسطة برنامج كمبيوتر متطور· يقول الدكتور "روبنسون"، "نحتاج عادة إلى وقت لكي نترجم تسلسل الجينوم إلى نتائج ذات أهمية علمية كبيرة، الا أننا اكتشفنا بالفعل بعض النتائج المدهشة ستساعدنا في فهم افضل للنحل"· ومن أهم هذه الاكتشافات ان النحل نشأ في افريقيا ثم انتقل إلى اوروبا عبر هجرتين قديمتين، وهو ما اكده البروفيسور تشارلز وايتفيلد، استاذ علم الحشرات في جامعة الينوي، مضيفا: "أدت الهجرتان إلى وجود فصيلتين من النحل الأوروبي تعيشان متجاورتين جغرافيا، لكنهما تحتلفان كثيرا من الناحية الجينية، واللافت ان كلتا الفصيلتين اقرب جينيا إلى النحل الافريقي منها إلى بعضهما البعض"· ووجد الباحثون ان النحل يمتلك جينات مرتبطة بحاسة الشم وأكثر بخلاف حشرات اخرى مثل ذبابة الفاكهة او البعوض، لكن لديه جينات اقل ارتباطا بحاسة الذوق· وما يؤكد قدرات الشم المذهلة للنحل هو العدد الأكبر من مستقبلات الرائحة، بما في ذلك ادراك الفيروساتphenomenes وهي اشارات التعرف بين الأقران، زيادة عن التواصل الاجتماعي داخل الخلية، ويقترن تغيير الوظيفة الاجتماعية للنحل بتغييرات في آلاف الجينات في ادمغتها، فبعض الجينات يبدأ العمل وبعضها الآخر يتوقف· ويذكر ان بضعة جينات من هذا النوع المعروفة باسم الجينات العمومية المنظمة اسهمت في تطور ذبابة الفاكهة قد شاركت ايضا في تنظيم نشاط هذه الآلاف من الجينات· ويبدو ان الخلايا العمومية المنظمة التي اسهمت في تطوير الجهاز العصبي لذبابة الفاكهة قد اعيد استخدامها من قبل الطبيعة في الوظائف السلوكية في النحل البالغ· وتبنئ هذه الاكتشافات المبكرة المهمة إلى الثراء المعرفي الذي سنحصل عليه من الدراسات المعمقة المستقبلية لجنيوم النحل، وفي هذا المنحى يقول روبنسون "ان مشروع جينيوم النحل يبشر بعهد راق للبحوث المتعلقة بالنحل، ستستفيد منها البحوث الزراعية والبيولوجية فضلا عن صحة الانسان"·