لاشك أن العقل من أهم وأشرف الأعضاء في الجسد، فهو مناط التكليف، ولذلك نجد أن الإسلام رفع القلم عمن غاب عقلهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفع القلم عن ثلاث؛ عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق)، والصلاة عبادة تحتاج إلى تعقّل، ولذلك نهى الله عز وجل عن قرب الصلاة في حال السكر أيام كان شرب الخمر مباحا، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ذلك لأن السكران غير متعقل، فهو لا يدرى ماذا يقول وماذا يفعل، فالعلة هي (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)، فكأن الله تعالى يقول: شرط الصلاة أن يعلم المصلى ما يقول، وسبب نزول هذه الآية كما ذكر الترمذي أن عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه قال: وضع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، وذلك قبل التحريم، فأخذت الخمر منه وحضرت الصلاة فقرأت: (قل يا أيها الكافرون لا أعبدُ ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون) فأنزل الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)، وكذلك يُبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أهمية اليقظة العقلية وكيف أن الشيطان يستغل الفتور العقلي ويُفسد علي المصلي صلاته ويُجرى على لسانه ما لم يُرده، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليَرقُد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسُبّ نفسه) رواه البخاري، والنُعاس هو مُشارفة النوم حيث يسمع الناعس الكلام ولا يفهم معناه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من الصلاة حال الكسل والنعاس، لأنه يصيب العقل بفتور ويجعله باباً مفتوحاً للشيطان، وسرعان ما يدخله ويُجرى على المصلي ما لا يقصده وما لا يرضاه، ويغيب العقل ويجعله يسرح في الصلاة، فلا بد من حضور العقل لكي تتعقل وتفهم ما تقول، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس من صلاتك ألا ما عقلت منها. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم؛ تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسُد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أَسِد فقرك)، أي إذا كنت في صلاة لا تنشغل عنها بغيرها وهذا هو معنى من معاني تفرغ لعبادتي، وكذلك إذا قرأت القرآن لا تنشغل عنه بغيره بل استحضر القلب عند القراءة، وهكذا في كل عبادة تفعلها.